الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تحالف الأغبياء والمارقين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أؤمن بأن الشعوب العربية وحدها هى التى تدفع ثمن مغامرات حكامها، ووحدها التى تجنى ثمار خطاياهم، فلو أن بعض هؤلاء، الحكام، اقتطعوا جزءا من وقتهم لقراءة تاريخ البلدان التى يحكمونها، لكفوا أنفسهم وشعوبهم، المصير الذى لحق بأسلافهم فى الحكم، ممن بددوا ثروات بلادهم وأفقروا شعوبهم فى مغامرات كارثية، لخوض الحروب بالوكالة.
صنعت أمريكا تنظيم القاعدة بتمويل عربى خالص، شجعوا المارقين على السفر بتدابير استخباراتية، تحت لافتة الجهاد فى أفغانستان، ضد الشيوعية الكافرة الجاهلة، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، وجه التنظيم أقوى ضرباته ضد رمز أمريكا الاقتصادى «برجى التجارة العالمى»، على أثر ذلك خرجت ماكينة صناعة المصطلحات بمفردات جديدة، صار الجهاد إرهابا، وأصبح المجاهدون سابقا لأغراض البيت الأبيض إرهابيين يهددون العالم.
تجلى هذا الأمر فى الأحداث الإرهابية التى طالت باريس وبروكسل، حيث جرى وصفها بالإرهابية وهى بالفعل كذلك، لكن فى المقابل لم نجد أحدا يتحرك لاستنكار ما يجرى فى بلادنا، فهو بالنسبة لهم معارضة مسلحة، والدفاع عنهم مغلف بسوليفان الحريات وحقوق الإنسان، لذا لم تكن التوقعات الرامية لاستثمار ما جرى فى أوروبا بعيدة عن التحقق، أما الهدف فهو إيجاد المبررات الظاهرية لغزو ليبيا وتقسيمها، وهى توقعات تمثل الأساس لاستراتيجية أمريكا والغرب فى المنطقة. 
أمام كل ما يجرى نجد أن الحكام العرب، أو بتعبير أكثر دقة بعض الحكام العرب، لم يتعلموا من دروس التاريخ، لذا صاروا، بإرادتهم، أدوات فى أيدى الديناصورات العالمية، تتلاعب بهم، تتحكم فى توجهاتهم وسياساتهم، تعبث بمصائر بلدانهم وشعوبهم، ظنا منهم أن القوى الكبرى هى التى تقرر بقاءهم فى السلطة، أو إجبارهم على الرحيل، فارتموا فى أحضانها، دون إدراك منهم لعواقب ما يفعلون، ودون دراية بأنهم ينفذون مخططات استراتيجية معلنة ومعلومة للكافة، عكفت على إعدادها أجهزة الإستخبارات ومراكز الدراسات، بهدف سيطرة الشركات العالمية على الثروات النفطية والغاز. 
فى هذا السياق المشحون بالمتناقضات لم يكن غريبا أن تتقلب السياسات الغربية حسب المصالح التى تحقق أهدافها ومخططاتها، فتارة تنحاز بقوة إلى صالح التنظيمات التى صنعتها، عبر دعمها اللامحدود، ضد أنظمة الحكم، بدعاوى التغيير ونشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، وتارة أخرى باللجوء إلى أساليب تصفية الحسابات الذاتية، من خلال تكليف حكام عرب يفتقدون الرؤية الصائبة، للقيام بتمويل الجماعات المارقة، دون إدراك لحجم المخاطر الناجمة عن المقامرة بمستقبل المنطقة، على هذا الأساس تلاقت المصالح بين المارقين من الإرهابيين والأغبياء من بعض الحكام، الأثرياء الطامحين فى التوسع، واعتلاء مسرح الزعامة الوهمية دون مقومات لتأدية دور البطولة. 
الواقع على الأرض يحمل لنا حقائق دامغة، لا يمكن بحال من الأحوال تجاهلها أو القفز عليها، منها أن التحرك الأمريكى الرامى لعرقلة مصر، لم يتوقف عند حدود دعم الإخوان، ومساندتهم فى تشويه السلطة الحاكمة لحصارها دوليا، لكنه امتد إلى مناح أخرى، لعل أبرزها، ما يدور فى الخفاء من ضغوط على الدول الخليجية، للحد من ضخ الاستثمارات، بهدف تقويض الجهود الرامية للتنمية والنهوض الاقتصادى، فضلا عن استثمار المساحة الضيقة من التباين فى وجهات النظر بين مصر والسعودية حول الأوضاع فى سوريا، بهدف الوقيعة بين الدولتين الكبريين فى المنطقة، وهى النغمة التى راحت أمريكا تعزف عليها، ويرددها أتباعها فى الداخل والخارج، فهناك من يتصور أن التعارض فى الموقفين سيؤدى بالتبعية لصراع بينهما.
بعيدا عن النظرة الضيقة، لا بد من توضيح بعض الأمور، الموقف السعودى مرتبط بالأمن القومى والمصالح الاستراتيجية للمملكة، فى إطار التصدى للمشروع الفارسى الشيعى الرامى لحصارها، لفرض واقع جديد فى الإقليم عبر تشكيل أنظمة حكم موالية لإيران فى سوريا والعراق، وهو الدور الذى لعبته قبل ذلك فى لبنان عندما صنعت كيانا موازيا للدولة يمتلك ميليشيات وأجهزة أمنية «حزب الله»، وأخيرا إشعال الحرب فى اليمن، حيث يقوم حكم آيات الله، بتقديم الدعم المادى والتسليح لجماعة الحوثى وأنصار عبد الله صالح، الذين انقلبوا على السلطة الشرعية فى اليمن.
أما الموقف المصرى فتحكمه أبعاد استراتيجية ودواع أمنية أخرى، ربما تختلف عن رؤية بقية البلدان العربية، يدور مجملها فى ضرورة الإبقاء على الدولة السورية موحدة، إلى جانب الرغبة فى تماسك الجيش ضمانا لعدم تفكيكه، على غرار ما جرى فى العراق، فالحفاظ على وحدة الجيش السورى يمثل أحد أهم الأركان الأساسية للأمن القومى العربى، باعتبار أن سوريا طرف أصيل ورئيسى فى معادلة الصراع العربى الصهيونى كإحدى دول الطوق.
الدور الذى تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى أوربا وقطر وتركيا، أصبح الآن مثل الشمس الساطعة، صار حقيقة عارية تماما أمام أعيننا، مجردة من الثياب المزيفة والرائحة الخادعة، ما أقصده بتلك الحقيقة واقعنا العربى، بكل إشكالياته المعقدة وأوضاعه الأمنية المرتبكة، فهذا الواقع صار مهينا، وهذه هى الحقيقة المرة، الكاشفة عن جهلنا الأزلى بتكرارنا نفس الأخطاء، فقد مرر الأمريكان لنا المفردات البراقة والمسميات الناعمة، فصدقناها، وهى التى جرى تسويقها فى أوساط الشعوب العربية، تحت لافتة ثورات الربيع العربى، وانحاز لبريقها شرائح متنوعة مدفوعة بالحماس دون دراية بحجم وبشاعة المخططات الأمريكية، التى تم تنفيذها على الأرض بأدوات للأسف داخلية، تمثلت فى نخبة شائهة فى مكونها الفكرى، ومشوهة بفعل تطلعاتها اللاوطنية، فراحت تعزف على أوتار الفتنة فى وسائل الإعلام بمصطلحات جوفاء، عن ضرورة التغيير ونشر الديمقراطية وحقوق الأقليات، بهدف خلق بيئة متنافرة وغير منسجمة داخل الأقطار العربية، بيئة مشحونة بالصراعات المذهبية والنعرات العرقية والطائفية، مرورا بتقسيم فئات المجتمع الواحد على أساس أيديولوجى، أما الهدف الحقيقى فهو تقسيم المنطقة بأكملها وفق المخططات إلى دويلات صغير يسهل التهامها، بما يضمن تفوق إسرائيل.
النتيجة أننا نغوص فى أعماق الحقيقة الكاشفة عن واقعنا الذى صنعناه بأيدينا، المقصود هنا ليس الشعوب المغلوبة على أمرها، إنما الحكام المقامرون والمغامرون بالأوطان، واقع صارت فيه البلدان العربية على اتساع خريطتها الجغرافية، غارقة فى الحروب الأهلية الدائرة تحت شعار إسقاط الأنظمة من أجل التغيير، فتحت هذه اللافتة، نشأت تنظيمات مسلحة فى سوريا واليمن وليبيا والعراق ومصر.
من الآخر أصبحت بلادنا مثل جثة ميتة تنهش فى لحمها الكلاب المسعورة من كل حدب وصوب، بفعل التواطؤ من جانب بعض الحكام.