تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بعد سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا في عام 1924، على يد مصطفى كمال أتاتورك، الذي لم يكتف فقط بإلغاء الخلافة، بل حول عاصمة الدولة الإسلامية، في ذات الوقت، ذات التاريخ الممتد إلى أكثر من 1300 قرن من الزمان إلى دولة علمانية، تتنكر حتى لأصولها العربية الإسلامية، وترتمي في حضن أوروربا العلمانية؛ بعد هذا الانهيار، سقط بدوره المشروع العربي، وغابت لأول مرة وحدة الأمة العربية، التي ميزتها لقرون طويلة، فحتى في أوقات استضعافها في نهايات القرن الثامن عشر، كانت الدولة قائمة وينتسب إليها عشرات الدول، وتمثل قوة اقتصادية وعسكرية عظمى، وسط بزوغ المشروعات الاستعمارية الجديدة في المنطقة العربية التي تم استبدالها بمسمى الشرق الأوسط نكاية في الشرق الإسلامي.
ورغم إن سقوط الخلافة مثل كارثة حقيقة وفاجعة كبرى للعالم الإسلامي وضربة قوية للأمة، إلا أن الكارثة الأكبر تمثلت في بدء الترويج لمشروعات غربية استعمارية لتقوم على الجسد العربي، فإذ بأوروبا تعود من جديد لشن حملاتها الصليبية، التي لم تتمكن من الصمود أو النجاح في عهد الدولة الإسلامية، منذ القرون الوسطى وحتى بداية العصر الحديث، غير أن بغياب أي مشروع حقيقي في المنطقة العربية بات الزمان والمكان مهيأين لظهور المشروع الغربي، الذي كان يتحين الفرصة تلو الأخرى للانقضاض على الحلم الإسلامي، الذي ساد العالم لأكثر من 13 قرنًا، حيث كانت أوروبا تقبع في ظلام الجهل والتخلف، مقابل تقدم المسلمين سياسيا واقتصاديا وحتى على مستوى العلوم التي يتفاخر بها الغرب الآن، والتي وضع العرب والمسلمون أساسها الصلب، من أقصى الشرق وحتى أقصى الغرب مع فتح الأندلس وإقامة حضارة عربية إسلامية خالصة بها، لا تزال بقاياها حاضرة حتى الآن.
وأمام تقدم المشروع الغربي في المنطقة، وتهاوي الآخر الإسلامي، دخلت الأمة العربية والإسلامية في حقبة من الظلام والاستعمار، انتهكت خلالها مقدرات الوطن العربي، واحتلت أراضيه وصار مواطنوه سخرة في يد المحتل الأجنبي، وناضلت الشعوب طويلا حتى منتصف القرن الماضي، عندما قامت حركات التحرر ضد الاستعماء في العالم الثالث، في بلاد العرب والهند وأمريكا الجنوبية، لكن حتى هذه اللحظة غاب المشروع العربي الشامل والحقيقي عن المنطقة العربية، فحتى المشروعات التي بدأت في الظهور منذ بدايات القرن التاسع عشر، تميزت إما بانفصامها عن توجه الأمة العربية وتاريخها، كما هو الحال مع مشروع الإخوان المسلمين في مصر ودول المنطقة، أو بالعلمانية، البعيدة عن وعي ومشاعر المسلمين، الذين كانت فكرة الخلافة لا تزال تراودهم ويحنون إليها، لتأتي كارثة كامب ديفيد، بعد وفاة عبد الناصر، لتقضي على آخر مشروع عربي حقيقي في المنطقة.
ويمكن القول أن كامب ديفيد، قضت على آخر أمل في وجود مشروع عربي جامع للأمة العربية، حتى ولو كان علماني التوجه ويبتعد عن الثقافة العربية الإسلامية العظيمة، وامتدت آثارها السلبية لتشمل تفكك وسقوط النظام العربي، بعد أن قاطعت الدول العربية مصر وانتقلت الجامعة العربية لأول مرة من القاهرة إلى الجزائر، وأصبحت كل دولة عربية مستقلة فكريا وسياسيا واقتصاديا عن شقيقاتها في المنطقة، ليأتي العام 1979 محملا بالفاجعة الكبرى للإسلام السني العربي؟
في عام 1979 استيقظ العالم الإسلامي على حقيقة مفزعة، ظل يهرب منها طوال تاريخه القديم والحديث، وهي قيام أول دولة للفرس، العدو اللدود لكل ما هو عربي، في إيران، ولم تكن كارثية الخطوة في قيام دولة للشيعة، بأحقادهم التاريخية على الأمة العربية، ربما حتى منذ زمن محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن الخطورة الحقيقة هي أن المناخ العربي كان مهيئا وقتها لسيادة المشروع الشيعي، في ظل عدم وجود مشروع عربي حقيقي أمام المشروع الفارسي الصفوي الإيراني، فانتقل الفكر الشيعي إلى دول عديدة في المنطقة من اليمن إلى لبنان ومن سوريا إلى العراق، ليدخل العالم العربي والإسلامي في حقبة جديدة من الظلام والصراعات الطائفية البغيضة التي زادت الهوة بين العالم والدول العربية.
إذن فنحن أمام عالم عربي منفصلة دويلاته عن بعضها البعض، لا يجمعها أي مشروع حقيقي، في ظل وجود قوة إقليمية كبيرة ممثلة في إيران تعمل على قدم وساق لنشر مشروعها الصفوي، القائم بالضرورة على أنقاض المشروع العربي، كما فشلت جميع المشروعات العربية الأخرى سواء العلمانية أو حتى الإسلامية، وحتى من طرح مشروعا فإنه قام على التنظير السياسي والأيدولوجي دون إدراك لحقيقة الوضع العربي والمواطن العربي بتاريخه وثقافته.
من هنا وفي ظل هذا الفراغ السياسي والفكري للأمة العربية، بزغ مشروع "مؤتمر الأمة" ليتجاوز أخطاء المشروعات السابقة عليه، ويعيد قراءة المشهد العربي المضطرب، والأيدولوجية العربية، التي نزعت عنها الصبغة الإسلامية، مرجعا أيدولوجيته لدولة الخلافة الراشدة بعدلها وقوتها ورحمتها.
بزغ مشروع مؤتمر الأمة ليكون المشروع العربي الإسلامي الحقيقي في المنطقة العربية، عوضا عن اختلال موازين العالم العربي بمشروعات علمانية لم تحقق لا للمنطقة ولا للعالم أي شيء، وكانت البداية بعد سقوط بغداد، في 2003، في وقت حاسم، حيث تنادى المصلحون والمفكرون والسياسيون للاجتماع وتدارس أسباب سقوط الأمة على هذا النحو، وكيفية الخروج من هذه الكارثة، وكيف تنهض الأمة من عثرتها، وتتدارك كبوتها، فكانت اللقاءات تلو اللقاءات منذ سنة 2004م حتى تبلورت رؤية "مؤتمر الأمة" لأول اتحاد بين تنظيمات سياسية في المنطقة العربية، تؤمن بأن الأزمة التي تعيشها المنطقة كلها هي أزمة "أمة" ولا يمكن مواجهتها إلا بمشروع "أمة"، بعد أن ثبت فشل المشروعات الأخرى التي اعتمدت على فكرة "الوطنية" فقط أو القومية العربية دون الاعتداد بالأصل الإسلامي، فكان الرأي هو ضرورة قيام "مؤتمر الأمة" كاتحاد لتنظيمات سياسية راشدة تعمل على تحقيق الأمرين:
الأول: استعادة مفهوم (الأمة الواحدة) لتجاوز حالة التفرق والتشرذم، والرهان على الأمة وشعوبها لتحدث هي التغيير المطلوب من خلال الثورة السلمية.
الثاني: استعادة مشروع "الحكومة الراشدة" في الأقطار، وبلورة نظام سياسي إسلامي راشد، يستهدي بهدايات الكتاب والسنة والخطاب السياسي الراشدي، تمهيدا لعودتها (خلافة راشدة) يوما ما كما بشر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)!
وقد تم تأسيس المؤتمر سنة 2008م ، وعقد أول مؤتمر له سنة 2009م، ثم تتابعت المؤتمرات بشكل دوري فصلي، حتى كانت الثورة التونسية والتي وقف معها المؤتمر منذ تفجرها، ثم الثورة المصرية، ثم الليبية، ثم اليمنية، ثم السورية، وهو ما يمكن مناقشته بالتفصيل لاحقا.