الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

الحلقة (3).. «البوابة» تكشف أسرار تجارة شيوخ القبائل بالأسماء.. أباطرة «البزنس» في حلايب وشلاتين «الرشايدة» تخصصوا في الجمال.. وأحدث موديلات السيارات لتهريب البشر.. والأرز يدخل السودان بمراكب الصيد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
السفر إلى حلايب والشلاتين، بات حلما يراود الكثيرين بحثا عن عالم جديد، لم يعرفوا عنه سوى اسم على خريطة الدولة، وبات مقدرا له أن يتصدر المشهد بعد إعلان المدينة دائرة انتخابية مستقلة، حيث أصبح لأهلها مقعد فى البرلمان، يُسمعون من خلاله الدولة صوتهم للمرة الأولى «البوابة » لم تتردد فى خوض تجربة المعايشة الحقيقية لأهالى حلايب وشلاتين، سعيا وراء استكشاف تلك الشخصية المصرية المنسية، وكشف المستور من تفاصيل تستحق أن يعلمها الجميع، والغوص فى أعماق تلك المنطقة الغالية من أرض مصر.
مثلث حلايب وشلاتين يضم ثلاث قبائل هى العبابدة والبشارية والرشايدة، وتعد قبيلتا العبابدة والبشارية هما الأكثر عددًا ووزنًا وانتشارًا هناك، وأصلهم القبيلة التى عاشت فى الصحراء الشرقية على امتداد ساحل البحر الأحمر فى مصر والسودان وإثيوبيا، وتوجد هذه القبائل فى بعض محافظات مصر وخاصة الصعيد، وفى السطور التالية سنتعرف على تلك القبائل من قريب، وبما اشتهرت وشيوخ البزنس فيها.
قبيلة الرشايدة وهى التى يعيش أفرادها على بعد 10 كيلو مترات من مدينة شلاتين، يعتمدون على تجارة الجمال ما بين مصر والسودان، وهو مما يميزهم ماديا عن باقى أبناء القبائل، فأصلهم من الجزيرة العربية وتحديدًا من المملكة العربية السعودية، وعددهم حوالى ألف شخص، يمثلون 300 أسرة تقريبًا، يمثلون «جيتو» فهم معزولون عن المنطقة ومصدر دخلهم تهريب الجمال والسلاح نظرًا لخبرتهم الواسعة ودرايتهم بدروب الجبال والوديان، ومن الصعب وقوعهم تحت طائلة القانون فى شلاتين؛ ولكن غالبًا ما يتم القبض على بعضهم خارجها، خاصة فى مرسى علم أو القصير أو قنا، وأغلب أبناء هذه القبيلة لا يلتحقون بالتعليم وطقوسهم فى الزواج غريبة حيث يتبادلون الزوجات مقابل المال ويتم شراء العروس بالجمال لمن يدفع منهم أكثر، وليس لديهم أى أوراق تثبت هويتهم؛ ولكن تتعامل معهم شئون القبائل من خلال عمدة تم تنصيبه عليهم يقوم بتسجيلهم فى سجلات خاصة بهم.

أما قبيلة البشارية، فهى التى استوطنت مثلث حلايب وشلاتين عام 1906 بعد جفاف الأمطار فى شبه الجزيرة العربية وجاءوا إلى الجنوب، فهم أصل المنطقة ونشاطهم الرئيسى الرعى وتربية الجمال المحلية.
بينما تعد العبابدة أشهر وأقدم قبيلة فى المنطقة، وعرفت تاريخيا بدورها ضد عصابات (البقارة)، التى كانت تهجم على الجنوب فأصبحوا حراس الجنوب يعتمدون على الرعى.
وتربية الجمال وإرشاد القوافل التجارية، فهم لا يعتمدون على البوصلات أو مواقع النجوم فى الإرشاد، بل يعتمدون على اتجاه الرياح والشمس ومن أبرز الأسماء التى تسيطر على «البزنس» بحلايب وشلاتين.
أما عن أشهر أفراد تلك القبائل ومن شيوخ «البزنس» تجد محمد طاهر هساى، الذى كان يشغل منصب رئيس المجلس الشعبى المحلى، ويمتلك أكبر محطة بنزين، ويطلقون عليه أنه مهجن أى والدته عبادية وهو بشارى، ولديه عزوة كبيرة اكتسبها من أخواله وأعمامه، وتم القبض عليه ومات فى المعتقل، فكان يملك أكبر منطقة فى حلايب، وكان على وشك الإفلاس ولكن فجأة ظهرت عليه علامات الثراء الفاحش وبعدها تم القبض عليه أثناء عملية تهريب كبرى للسلاح.
وتجد هناك أيضًا سر الخاتم، وهو شيخ مشايخ القبائل البالغ من العمر 65 عامًا، وتم القبض عليه هو ومجموعة؛ ولكنهم أنكروا أى دور له فى التهريب وخرج من القضية.
صاحب أكبر فندق بشلاتين «الحرمين»، له أملاك واسعة بمدخل كوم امبو وأراض زراعية لها مدق جبلى، يقال إنه يستغل فى عمليات تهريب الأسلحة من السودان إلى شلاتين عن طريق وديان، ثم من كومبو إلى أسوان داخل المزارع، ويعمل بتجارة الأرز والجمال وكون ثروات طائلة جعلت منه إقطاعيا كبيرا بشلاتين وحلايب.
أما حسن أراب البالغ من العمر 70 عامًا من أفراد قبيلة البشارية وهو شيخ مشايخ حلايب.. رجل مسن صاحب مبدأ ولا يبيع ذمته أبدًا، يفى بوعده.. صارم.. كلمته نافذة.. ذو هيبة وسط أهل قبيلته.. يعشق الحزب الوطنى ورجاله.. يمتلك مركب صيد يقوم بتهريب الأرز للسودان، وتم القبض على المركب داخل موانئ السودان ومازال محتجزا هناك، ويعد هو الأكثر قوة ونفوذا داخل حلايب.
وهناك أيضًا الشيخ على خير، شيخ مشايخ البشارية عمره 75 عامًا، يعد هو الشخصية الأهم فى تبة الجمال، يحصل على مبلغ 4 جنيهات عن كل جمل يتم تحميله «إتاوة» ويحصل على 100 جنيه عن أى جمل يتم تحميله غير مختوم من الحجر البيطرى، فهو من كبار رجال المال هناك، له نفوذ كبير من خلال علاقاته بجهاز شئون القبائل، سيطر على مساحات واسعة من أراضى شلاتين وحصل على منزل على مساحة أكثر من 3 أفدنة على أرض الدولة، لم يسدد سعر متر واحد منها، كما أكد لنا أحد المسئولين بمجلس مدينة الشلاتين.
أما عن ناصر عواد فهو من أسوان ومستقر ومتزوج من شلاتين وهو سمسار، ومن هنا جاءت أهمية الرشايدة فهم لا يتعاملون مع البنوك رغم امتلاكهم الملايين عبر تجارتهم غير المشروعة ويتميزون بالأناقة والحسن بالنسبة للسكان المحليين، ويقعون تحت سيطرة جهاز شئون القبائل حيث قام بعمل تسجيلات لأسمائهم وأسماء أبنائهم.

تهريب الجمال 
وعن عمليات «البزنس» والتهريب، وهى العمليات التى برعت فيها قبيلة الرشايدة، فهناك منطقة يطلق عليها «العتبة» وهى منطقة فى الجبل منخفضة ولا يدخلونها إلا بالسيارات ويستخدمونها فى التهريب، فهم يعرفون دهاليز الجبل ومخارجه، ولذلك هم بارعون فى تهريب الجمال، وأصبحت تجارة الجمال المهربة نشطة وخاصة بعد قرار يوسف والى وزير الزراعة الأسبق بحظر استيراد الجمال من السودان نهائيا بحجة أن السودان غير خاضع لمنظمة الصحة العالمية، وانتشار مرض الحمى القلاعية، وبناء عليه بدأ التهريب من السودان ويتم تصديره من شلاتين للقاهرة
وتسجيله تحت «اسم جمل محلى» على أنه من إنتاج شلاتين ويدخل الحجر البيطرى.
والجمال تقسم إلى جمل حبشى وهو الأضخم حجما والأعلى سعرا وسعره يتراوح ما بين 12 إلى 13 ألف جنيه، وآخر صومالى وهو أصغر جمل ويتراوح سعره ما بين 8 إلى9 آلاف جنيه، والجمل السودانى والذى يتراوح سعره من 10 إلى 11 ألف جنيه، أما البلدى فهو قيم رغم أن حجمه صغير؛ ولكنه غالى الثمن ويعتمد على الكلأ والعشب داخل شلاتين.
فى الوديان وهو قليل، ويتم بيع الذكور دون الإناث لأن الاناث تستمر فى إدرار اللبن إلى أن يتم تلقيحها، ولو استمرت لسنوات، ويصل سعر لتر اللبن إلى 20 جنيها.
وتدخل الجمال بطرق شرعية وأخرى غير شرعية، فالطريق الشرعى يكون عن طريق المنافذ والحدود وشئون القبائل، حيث يتم منح التاجر تصريحا من شئون القبائل بعدد الجمال، وهو ما يطلق عليه «شيك»، وبناء عليه يدخل الحجر البيطرى، ويتم اتخاذ الإجراءات المتبعة، ويتم حقنه وأخذ عينة من الدم وتحليلها فى معامل التحاليل ويدخل فى مرحلة الكى وإصدار بطاقة لكل جمل. ولا يتم بيع الجمال وتداولها بدون هذه البطاقة وبعدها يتم عمل تصاريح من الوحدة المحلية ومجلس المدينة وجهاز شئون القبائل وجهاز المخابرات، ويتم تحديد عدد الجمال والمدينة المتجهة إليها.
وفى بعض الأحيان يستغل فئة من المهربين هذه التصاريح ويقومون بضربها وتهريب الجمال بدون دفع رسوم لأن التصريح يكلف التاجر مبلغ 150 جنيها، منها 85 جنيها لصالح مجلس المدينة و10 جنيهات لشئون القبائل و35 جنيها للحجر البيطرى، والتصريح مدته 48 ساعة، بعض السائقين يخرجون من شلاتين ويعودون فى اليوم التالى مباشرة، بمعنى أن السائق يخرج لتسليم الجمال فى القصير، ثم يعود ويأخذ نقلة ثانية بنفس التصريح.
عادة ما كانت تتم عمليات التهريب البشرى عبر الوديان من خلال التسلل، وتم القبض على عدد كبير منهم داخل مدينة شلاتين عن طريق حرس الحدود، وأحياناً كانت تتم مشياً على الأقدام من داخل حدود السودان حتى سيناء أو عبر سيارات داخل طرق ووديان ومدقات لا يعرفها غيرهم، ويتم التهريب بواسطة أحدث موديلات السيارات ويتم بيعها والتخلص منها بنصف الثمن وتنتشر داخل شلاتين.

تهريب الأرز
تتم عمليات تهريب الأرز عن طريقين: السيارات، فالسيارة تأتى من جميع المحافظات لا يعترضها أحد وقبل البوابة بمسافة 2 كيلو متر تسلك طريق الجبل الذى ينتهى إلى محطة بنزين التعاون، ثم يسلك طريق الرشايدة للهروب من البوابة متجهًا إلى الجنوب ثم يسلك الطريق الرئيسى وصولًا إلى أبو رماد وحلايب ومنها للسودان عن طريق الجبل ويصل بسعر20 جنيها للكيلو نظرًا لعدم زراعته فى السودان.
أما الطريقة الثانية فتتم عبر مراكب الصيد، حيث يقوم مركب الصيد بتحميل الأرز بعيدًا عن مرأى ومسمع الجميع، ويأخذ طريق البحر جنوبًا ويصل إلى مدينة حلايب حيث يتقابل مع مراكب الصيد السودانية، وتتم عملية التبادل وتم ضبط العديد من السيارات ومراكب الصيد التى تقوم بتهريب الأرز وإحباطها عن طريق المخابرات وحرس الحدود. ويتم تقسيم المنطقة التى يتم تهريب الأرز خلالها إلى مسافات تصل إلى 10 كيلو فكل 10 كيلو تجد شخصا يسلم الآخر عن طريق الاتصالات ولهم مدقات تنتهى إلى الجبل بحيث تختفى السيارات إذا تبين وجود كمين داخل الطريق، ومعظم السيارات المستخدمة فى التهريب آخر موديل وتجار أسوان ودراو متخصصون فى توريد أجود أنواع الأرز إلى شلاتين ويأخذه المهرب بسعر 7 جنيهات للكيلو ويبدأ دوره.

«المضغة السودانى» .. يجلبها تجار الجمال وتباع بالرطل
يسمونها فى حلايب وشلاتين «الكيف الشعبى الحلال»، ولها أسماء أخرى مثل «الشمة، الصعود، النشوق، السفة»، فالمضغة هى نوع من أنواع التبغ يتم تجفيفه وطحنه ولا يحرق، ويتركز بيعها بسوق الشلاتين، ولا يوجد سوى اثنين من البائعين يدخلان النوع الجيد، حيث يتعاملان من خلال تجار الجمال الذين يجلبونها معهم فى شاحنات نقل الجمال وأحيانا السائقون.
«المضغة» أنواع «السادة» الذى لا يضُاف له أى شيء، ونوع آخر يضُاف له بعض المواد حسب رغبة المُتعاطى لتصبح «المضغة الحارة»، ويُضاف إليها الرماد، وهو مسحوق بقايا الحطب المحروق ليصبح لونها رمادى، ولها ألوان كثيرة منها السوداء، والحمراء، والخضراء، والصفراء - وهى الأكثر مبيعا - والبيضاء، وتستخدم عن طريق المضغ.
«المضغة» يستخدمها الرجال فى شلاتين بشراهة كالتدخين، وتأتى المضغة السودانية من السودان من خلال التجار أو السائقين الذين يأتون بالبضائع السودانية إلى مصر، حيث يدخلونها كنوع من الربح الهامشى، «بيطلعوا منها مصاريفهم، حسب قولهم، يوزعونها بالرطل والكيلو يزن 2 رطل وربعا، وهناك نوعان فى السوق، بارد وحار، سعر الرطل البارد 20 جنيها، وسعر الساخن 40 جنيها. 
تباع أكياس صغيرة لا يزيد الكيس على 20 جراما، يصل سعر الكيس 2 جنيه، وتستخدم 4 مرات يوميا، وبحسب حالة الإدمان والتعلق بها، فهم يعتقدون أنها تقوى اللثة، وتجعل الأسنان قوية مضادة للتسوس.
وكان لا بد أن نسأل أحد الأطباء عن المضغة، وهل هى مخدر أم لا؟ فتحدثنا مع الدكتور نشأت صليب إخصائى الجراحة العامة، وأحد أطباء قوافل التوعية الطبية بحلايب وشلاتين، الذى قال إن المضغة بين الشفة السفلى واللثة بغرض استحلاب النيكوتين الذى يعتبر بمثابة المادة الفعالة والقوية فيها، فهي تعطى نتيجة التدخين دون تدخينها، حيث يوجد بها مادة قلوية من مسحوق كربونات الصودا المائية، والذي يستخدم فى بعض الصناعات، كصناعة الزجاج والصابون والدباغة، وهو الأمر الذي يجعل رائحتها نفاذة، وتمتص من خال الأغشية المخاطية المُبطنة للفم، وتنتقل إلى الدم، وتأثير النيكوتين فى المضغة أقوى من السجائر، لأنه يمتص بشكل كامل من خال الفم، ولذلك يسبب نوعا من الإدمان الشديد، وعدم تحريم بيعه هناك جعله مألوفا؛ ولأنه مدر للربح بسبب الإقبال عليه لرخص ثمنه أصبح موروثا شعبيا له كل التقدير هناك، وتستخدم بين كل فئات الشعب هناك فى حلايب وشلاتين.
سألنا الدكتور فوزى عبد العاطى مدير مستشفى الشلاتين المركزى عن المضغة، فقال إنها من العادات المتأصلة فى هذا المثلث، وتسبب أضرارًا بالغة قد تصل إلى سرطان الفم، وتجعل من يتعاطاها كثير البصق فى الشارع، وتساعد على دخول الفطريات والبكتريا الجسم وتسبب الأمراض وتقرح اللثة، وهو مرض شائع هنا فى حلايب وشلاتين، كما أنها تدمر مراكز التذوق فى اللسان وسبب رئيسى لسرطان الكبد.