الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

ننشر مسودة الرؤى الخاصة بوضع إطار عام لسياسة مصر الثقافية

الدكتور خالد عزب
الدكتور خالد عزب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قدم الدكتور خالد عزب؛ رئيس قطاع المشروعات المركزية بمكتبة الإسكندرية، خلال الجلسة الختامية لمؤتمر مشروع "دعم التنوع الثقافي والابتكار في مصر" الذي عقد في الفترة من 14-16 نوفمبر بمكتبة الإسكندرية والتي عقدت اليوم بالمكتبة، مسودة الرؤى الخاصة بوضع إطار عام لسياسة مصر الثقافية. وشدد عزب على أن هذه النسخة تعد "مسودة" وليست النسخة النهائية، وأنه سيتم تعديلها والإضافة عليها في إطار ما تم مناقشته خلال المؤتمر.
وشهدت هذه الجلسة العديد من المداخلات من الحضور والمثقفين والمفكرين العاملين في مجال الثقافة، حيث قاموا بطرح رؤيتهم حول المقترحات ليتم أخذها في الاعتبار عند وضع النسخة النهائية حول السياسة الثقافية في مصر.
وتضم المسودة ثمانية محاور؛ وهي: إطلالة أولية، الوضع الثقافي الراهن، الإصلاح الثقافي في مصر، المؤسسات والآليات، التمويل، الثورة الرقمية وكيفية التعامل معها، التنفيذ والمتابعة، والخاتمة.
وتبين المسودة أن الثقافة هي أسلوب حياة في المجتمع، تظهر في طريقة التفكير والسلوك الجماعي والفردي ونظرة الأفراد لأنفسهم وللآخرين، وكيفية التعامل مع الممتلكات العامة والخاصة، والاستمتاع بالحياة، وطريقة الطهي والأزياء، وغير ذلك ولم يعرف التاريخ الإنساني مجتمعًا تقدم دون أن يمتلك ثقافة متقدمة وتظهر ثقافة المجتمع عند التجول في الميادين والشوارع لنرى كيف يتصرف أفراد هذا المجتمع، وكيف يتعامل بعضهم مع بعض، والأهم كيف ينظمون شئون حياتهم المشتركة على نحو يساعد على تطوير نوعية الحياة في المجتمع بأسرِه.
لابد لواقعنا الثقافي العام من توطين الثقافة العلمية والنزوع المعرفي الأصيل الذي يتوافق مع الدعوة الحضارية التي عرفناها من العلماء العرب عبر العصور، ويتوافق في الوقت ذاته مع طبيعة العصر الذي نعيش فيه، ولا يمكن للمجتمع أن يتجه بقوة إلى العلم والمعرفة من دون الاهتمام بالمستقبل، ومن ثم الاهتمام بالشباب الذين يشكلون القوة المحركة للزمن القادم، إن الإمكانيات الهائلة المتوفرة في أجيال الشباب ينبغي تفعيلها بأقصى طاقاتها لضمان الدخول بالمجتمع المصري وبثقافته العامة في عصر الثورة العالمية المعرفية.
ولكن الثقافة المصرية في أزمة يمكن أن نتلمسها في تجليات كثيرة؛ منها تردي السلوك على كل المستويات، وغياب التفكير النقدي، وكثرة المساجلات دون أن يكون لها مردود في تقدم المجتمع، وشيوع العنف بكل تجلياته اللفظية والسلوكية على الصعيد المجتمعي، فضلًا عن ضيق الأفراد بالمختلفين ثقافيًّا ونوعيًّا وعلميًّا ودينيًّا.
ولا نبالغ إذا قلنا إن إصلاح الثقافة المصرية هو المدخل الرئيسي لإعادة بناء الشخصية المصرية المعاصرة، بحيث تكون أكثر انفتاحًا على التعددية، وقبولًا للرأي الآخر، تؤمن بالعقلانية والمنهج العلمي، وتمتلك قدرًا من الثقافة العلمية، وتكون شخصية مركبة من مخزون تاريخي ومعرفي هائل، ومطلعة على ما يحدث في العالم.
إن الإصلاح الثقافي الشامل هو المدخل الحقيقي لنهضة المجتمع المصري، وإعادة مكانة مصر بين الأمم. فالمكانة تُبنى على الاحترام والتقدير المتبادل، ولا تؤخذ بالقوة والغلبة، ولا تشترى بالمال، بل تكتسب بالعطاء الوفير، وتثبت بالبناء والاستمرار.
لمصر دور ثقافي أساسي يجب عليها أن تقوم به في خمس دوائر، وهذه الدوائر الخمسة هي:
أولًا: الدائرة العربية: فلا ثقافة بلا لغة، واللغة العربية تجعل الدائرة العربية هي الأولى، والساحة الثقافية العربية ساحة لعبت فيها مصر دورًا بارزًا منذ زمن بعيد، حتى وإن كان هذا الدور قد ضعف في العقود الأخيرة
ثانيًا: الدائرة الإسلامية: ليس كل عربي مسلمًا وليس كل مسلم عربيًّا، ولكن يلعب العالم العربي دورًا كبيرًا في العالم الإسلامي العريق بسكانه الذين يناهزون 1400 مليون نسمة، هذا غير جاليات من المسلمين في العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الدول الغربية ومصر تمثل الوسطية.
ثالثًا: الدائرة الأفريقية: حيث لمصر وجود سياسي ولكنه ضعف عبر السنين؛ حيث لم تقم بمد جسور التواصل الثقافي الحقيقي برغم ثراء الإرث الثقافي الإفريقي وتأثيره العالمي على الفنون التشكيلية والموسيقى والرقص، وفي الآداب العالمية الناطقة باللغات الإنجليزية والفرنسية.
رابعًا: الدائرة المتوسطية: وكان هذا البعد واضحًا في فكر روادنا من إعلام التنوير في بلادنا، مثل طه حسين، وكان جزءًا لا يتجزأ من تاريخنا عبر القرون.
خامسًا: الدائرة العالمية: حيث ظهرت معالم حضارة عالمية ذات أبعاد ثقافية واضحة على الساحة العالمية وهذه الأبعاد تشمل فكر حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية واحترام البيئة والثقافة العلمية وغيرها ومصر قادرة على أن تسهم في هذه الساحة العالمية، بقدر ما ستتمكن من تطوير دورها الثقافي المحلي والإقليمي في الدوائر الأربعة الأخرى.
تطرح ثقافتنا العربية المعاصرة العديد من الأسئلة في مواجهة ثقافة العصر الذي نحياه، بكل آماله وتحدياته، بإنجازاته وإخفاقاته. وهو ما يجعلنا بحاجة إلى مراجعةِ استراتجياتنا الفكريةِ، تلكَ التي تقودُ حركَتَنا الجماعيةَ، لكي تتسقَ مع اتجاهاتِ أفرادٍ منَّا، ولكننا لم نَملِك حتى الآنَ الإرادةَ الجمعيةَ، ولا الوعيَ الضروريَ، لمتابعةِ هذه الطليعةِ الرائدةِ من قادةِ الفكرِ عِنْدَنا.
ولا يمكنُ للمجتمعِ أن يتجهَ بقوةٍ إلى العلمِ والمعرفةِ، من دونِ الاهتمامِ بالمستقبلِ، ومن ثَمَّ الاهتمامِ بالشبابِ الذينَ هم القوةُ المحرِّكةُ للزمنِ القادمِ. فالإمكانياتِ الهائلةِ المتوفرةِ في أجيالِ الشبابِ، ينبغي تفعيلُها بأقصى طاقاتِها لضمانِ الدخولِ بالمجتمعِ العربي وبثقافتِه العامة، إلى أبوابِ المستقبلِ. ولعلَّ في هذا ما يُكوِّن في الوقتِ ذاتِه دعوتَنا للمستقبلِ حيثُ يتعينُ علينا: فتحُ المجالِ للشبابِ من أجلِ القيامِ بدورِهم في قيادةِ حركةِ المجتمعاتِ العربيةِ، وفتحُ الأبوابِ للتعدديةِ والتواصلِ مع التياراتِ العالميةِ، والدخولُ في عصرِ الثورةِ العالميةِ المعرفيةِ.
ما أبعد واقعنا اليوم من هذا التاريخ، فقد تردى حال الثقافة في مصر، فلم تبقَ ساحةً للحوار الفكري الراقي، ولم تصبح كما كانت مجالًا مفتوحًا للرأي والرأي الآخر، بما يقدمه ذلك من ثراء ثقافي وزخم معرفي. حيث غابت الموضوعية والالتزام بالعقلانية والمنهج العلمي، وغاب وضوح الرؤية واختفت الشفافية وسادت الشائعات.
وبرغم ذلك، يجب أن نتحلى بالأمل في الجيل الصاعد من المصريين، وما يمكنهم إنجازه في إعادة رونق الحياة الثقافية، ولكن علينا نحن – الكهول والشيوخ – أن نمكِّن هذا الجيل الصاعد من أن يتقدم بعطائه، بفتح الأبواب، بتذليل العقبات، وبتقدير الإنجازات.. كما أنه من الأساسي أن نتذكر أن هناك قطاعات هامة من الإنتاج الثقافي، مثل الفيلم، أو المسرح لا يمكن للشباب أن ينتج ويبدع فيه دون مشاركة مؤسسية رئيسية. وبات ضروريًّا أن نعيد النظر في الآليات والمؤسسات الثقافية في بلادنا، وإعادة صياغتها بما يناسب مقتضيات العصر وتطور التكنولوجيا واحتياجات الشباب.
وعن الوضع الثقافي الراهن، يتضح أنه من الضروري استنهاض القوى الكامنة في المجتمع المصري مرة أخرى بصورة تتلاءم مع روح العصر الحالي، وإطلاق الإبداع المصري هذا لن يتم إلا إذا قمنا بمراجعة الأوضاع الراهنة التي تشير بوضوح إلى نقطتين رئيسيتين: أولًا: تغيُّر العلاقة الثقافية بين مصر والدول العربية، وذلك نتيجة ارتفاع مستوى الوضع الثقافي في بعض الدول العربية، مع نجاح مشاريع ثقافية خارج مصر؛ كنجاح مشروع الكويت الذي تم تأسيسه بأيدٍ مصرية (مثل: فؤاد زكريا وأحمد زكي) فضلًا عن اهتزاز ثقة المجتمع العربي في عدد من المثقفين المصريين لأسباب عدة، وبالتالي فقدت مصر مصداقية عدد من رموزها الثقافية. ثانيًا: جمود الوضع الثقافي المصري الراهن داخل المؤسسات الثقافية من ناحية وجماعة المثقفين من ناحية أخرى؛ مما أفقد الحركة الثقافية في مصر ديناميكية كانت تتميز بها، فاختفت المعارك الفكرية والثقافية في صورتها الحقيقية.
وتقترح الرؤى المعروضة تطوير المؤسسات الثقافية بشكل يكفل تعاونها ويتحاشى تكرار الأدوار وصراعها، ومراجعة التشريعات الثقافية، والانفتاح على الثقافات الإقليمية والعالمية، واستخدام التقنيات الحديثة في تدعيم الثقافة ونشرها، وإنتاج ونشر الثقافة، وبصفة خاصة الثقافة العلمية، وأن يكون الإنتاج الثقافي والتنوع الثقافي وفقًا للمتطلبات المجتمعية، والاهتمام بثقافة الإبداع وتوسيع حرية التعبير، ورعاية القدرات الإبداعية والتواصل بين الأجيال، وتوسيع الخيارات الثقافية من التراث والإبداع، وتوسيع ونشر الترجمة من الثقافة العربية إلى الثقافات الأخرى والعكس، والتركيز على ثقافة الطفل، وتطوير وحسن استغلال وظيفة وأهداف قصور الثقافة، وحصر المباني التاريخية والأثرية داخل مصر التي تستلزم الاهتمام والرعاية، وتأصيل القيم والخلفيات الثقافية لأقاليم مصر المختلفة ودراستها، وإصدار النشرات الثقافية القومية التي تعنى بالتاريخ الوطني والشعبي وتوزيعها بالمجان على تلاميذ الجامعات وطلبة المدارس.
وتناولت الرؤى مجموعة من الإشكاليات الثقافية الرئيسية؛ وهي الكتاب، الأغنية، السينما، والمسرح. أما عن الإصلاح الثقافي في مصر، تقترح الرؤى مجموعة من الأهداف المحددة على المدى الطويل، وهي إعادة بناء صورة مصر كدولة على الأصعدة: المحلية: ترسيخ صورة مصر ذات التعددية الثقافية المنصهرة في كيان واحد، هو الشخصية المصرية المعاصرة، ذات الموروث الحضاري العريق، القابلة للتحدي والإنجاز المعاصر كدولة وشعب، مع إعداد جيل جديد لدفعه على الساحة الثقافية المحلية لتكون منه رموز للعمل العام. الإقليمية: في ظل التطورات الحالية في المنطقة العربية، والقبول بوجود شركاء في الحياة الثقافية، فإن الدور الثقافي المصري يجب تعزيزه من خلال المنتج الثقافي بكافة أشكاله، مع الدفع برموز الثقافة المصرية من النخبة الجديدة. الدولية: تعزيز الوجود المصري عبر المشاركات الدولية، التي تبدأ بالتواجد في الفضاء الرقمي، إلى النشر متعدد اللغات، إلى المشاركة في الأنشطة الدولية والتواجد في المؤتمرات والمهرجانات والمعارض.
على المدى القصير: تعزيز دور عدد من المراكز الثقافية في مصر، وتشجيع الأفلام الوثائقية من خلال إعطاء مِنَح إنتاجية لأفضل الأفكار التي تقدم في هذا المجال، وإعادة هيكلة مهرجان القراءة للجميع، ودعم الإنتاج السينمائي المصري، وإقامة بوابة مصر الثقافية على شبكة الإنترنت، وإعادة كتابة تاريخ مصر من عصور ما قبل التاريخ حتى الآن، في صورة كتب وأفلام للكبار والصغار ومجلات، مع إجراء مسابقات حول تاريخ مصر، حيث إن هذا التاريخ جزء أساسي من مكونات الشعب المصري، إقامة مسابقات في كل مجالات الثقافة والفنون على المستوى الوطني، تشجيع المجتمع المدني على العمل في تنشيط الحياة الثقافية، وإعادة النظر في وظيفة المتاحف والمكتبات العامة بحيث تتحول إلى مؤسسات فاعلة في المجتمع، ونقل تبعية المراكز الثقافية خارج مصر إلى وزارة الثقافة.
وتعد صناعة الإبداع من الأسس التي يجب أن تبنى عليها مستقبل الثقافة في مصر، خاصة أن الوظيفة الاجتماعية للإبداع لا تتحقق لأن الأفراد مبدعون، لكن فقط حين يتوافر لمثل هؤلاء الأشخاص النمو، والمال، والبنية التحتية والتنظيم، والأسواق، وحقوق الملكية، وعمليات واسعة النطاق يمكنها استيعاب ذلك الإبداع.
إن المؤكد أن الإبداع هو الذي سيقود التغيير الاجتماعي والاقتصادي خلال القرن الحالي، فقد أصبحت الصناعات الإبداعية عنصرًا مهما في تكوين الاقتصاديات المتقدمة. ففي عام 2001، قُدِّر صافي عائدات صناعات حقوق النشر الأمريكية بـ 791.2 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل 7.75% من إجمالي الناتج القومي، ويعمل بها نحو 8 ملايين عامل.
وفي المملكة المتحدة، وفي العام نفسه قدرت عوائد الصناعات الإبداعية بـ 112.52 مليار جنيه إسترليني، ويعمل بها 1.3 مليون شخص، وتسهم بـ 10.3 مليار جنيه إسترليني من الصادرات وتشكل 5% من الناتج القومي الإجمالي.
ويتطلب طريق الإصلاح الثقافي توفير بعض الكوادر الجديدة التي يجب أن تدعمها موارد كافية لتحديث وبناء المؤسسات المطلوبة لتنفيذ خطة العمل المقترحة لتطوير ورعاية الأوضاع الثقافية في مصر، وضرورة الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة لتحقيق التواصل مع مصادر الثقافة في الداخل والخارج، ونذكر من المؤسسات التابعة لوزارتي الثقافة والأثار والقطاعات الثقافية المهمة: المتاحف، المكتبات والقراءة للجميع، المجلس الأعلى للآثار، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، المجلس الأعلى للثقافة، أكاديمية الفنون، قطاع الفنون التشكيلية، قطاع المسرح، قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، المركز القومي للمسرح، الأوبرا، السينما، المركز الوطني لرعاية الحرف التقليدية، الجمعيات العلمية، المجلات الثقافية، دار الكتب والوثائق القومية، والمركز القومي للترجمة.
ويتعين على الدولة الاستمرار في السياسة المتبعة للنهوض بالمتاحف في السنوات العشرة الأخيرة، والتي من أهم ملامحها افتتاح متاحف جديدة موضوعًا ومكانًا، وتجديد المتاحف العريقة بما يتماشى مع أحدث التصورات المتبعة في هذا المجال. ويجب اعتبار المتاحف مؤسسات ثقافية تقوم بأنشطة ثقافية تفاعلية، وتصنيف المتاحف من حيث أهميتها، وتشجيع القطاع الخاص على إقامة متاحف خاصة بالفنون الشعبية والعلوم والتكنولوجيا.
ويجب وضع برنامج متكامل لتدريب المكتبيين من شتى المحافظات في دورات تدريبية، وضع كادر خاص من المكتبيين الموجهين لمتابعة الجهود في المكتبات الإقليمية والمحلية عبر البلاد، ودعم توزيع أجهزة كمبيوتر إلى المكتبات، وربط ذلك بأجهزة عرض وشاشات أو شاشات بلازما، ومتابعة تجديد الكتب المتاحة في المكتبات الإقليمية والمحلية وتحديثها وتوفير المزيد منها.
وبالنسبة لوزارة الآثار يقترح تطوير الأداء الإداري للوزارة بما يحسن من كفاءة العمل، وإنشاء قطاع لتكنولوجيا المعلومات، وضم مراكز الدراسات والنشر والتسجيل تحت معهد الدراسات الأثرية، وتطوير أداء صندوق تمويل الآثار لتعظيم موارد المجلس، سواءً عبر التسويق المخطط أو المطبوعات أو النماذج الأثرية أو تأجير أو إعادة توظيف بعض المباني الأثرية، وإعادة النظر في بعض مشروعات المجلس وعوائدها على المجتمع، فضلًا عن عوائدها الاقتصادية، مثل متحفي كفر الشيخ ودمنهور، وتأهيل جيل جديد من الأثريين، مع دفعهم للحياة العامة لتقديم صورة متكاملة لتراث مصر لبناء الشخصية المصرية المعاصرة.
وعن الهيئة العامة لقصور الثقافة، يجب التركيز على القيم والمبادئ التي قامت عليها الهيئة ومحاولة بثها في الجيل الجديد، وتعديل اللوائح بما يعزز ذلك، والنظر في وضعية الكوادر الحالية، بما يمكن من الاحتفاظ بالكفاءات منها سواء في مواقعها، أو على درجة مستشار، مع إيلاء أهمية بالاستعانة بعناصر شابة مدربة، وتعديل اللوائح والقوانين على نحو يزيل العقبات التي تقف حجر عثرة في سبيل تولي الكوادر الشابة الكفء مواقع قيادية، وإعادة تقييم طرق اختيار مديري مراكز الثقافة، مع إقرار إمكانية الاستعانة بمديرين من الخارج إذا تطلب الأمر ذلك، ورفع ميزانية الأنشطة من 40 مليون جنيه إلى 100 مليون جنيه عبر خطة مدتها 3 سنوات، وتدوير الثقافة، بما يعني نقل ثقافة المدينة إلى الأقاليم والعكس، وهذا من شأنه توسيع أفق المبدعين وتحفيزهم.
وهناك مقترح لإعادة هيكلة الهيئة المصرية العامة للكتاب وفقًا لما يلي: بالنسبة للنشر، يتم تحويله من إدارة لقطاع، مع إدخال وسائل النشر الرقمي ضمن أنشطته، على أن يركز على الدفع بكتّاب شباب خاصة في ضوء إستراتيجيات جديدة تركز على: كتابة تاريخ مصر من عصور ما قبل التاريخ إلى الآن، طرح كتب علمية حول موضوعات جديدة كالبيوفيجن Bio Vision والأدوية الرقمية والفضاء...إلخ، دفع الإنتاج الأدبي للأجيال الجديدة للساحة، إنتاج كتاب Coffee Book باعتباره المناسب للعصر الحالي، تطوير مطابع الهيئة وكوادرها لتناسب متطلبات العصر، تحويل قطاع المكتبات إلى قطاع اقتصادي، مع تطوير أداء هذه المكتبات وطرق العمل بها، مع التوسع في الفروع، خاصة في مدن 6 أكتوبر والصعيد، وكذلك زيادة عدد الفروع خارج مصر، خاصة في تونس، والجزائر، وموريتانيا، والمغرب، والسودان كمرحلةٍ أولى، والتأكيد على أهمية النشر باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، مع التوسع في المشاركة بمعارض كتب أوربية وفي الأمريكتين.
وبالنسبة لقطاع الفنون التشكيلية، هناك انخفاض عام في مستوى ودور بينالي الإسكندرية، والمعرض القومي، فهناك ضرورة لعمل حلقة بحث لإعادة خريطة هذه الأنشطة مرة أخرى، والتوسع في معارض قصور الثقافة بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية وبرمجة تلك المعارض في القاعات الصغيرة مثل متحف مختار، بيت الأمة، أحمد شوقي، إلخ..، وإعادة النظر في سياسة الاقتناء ورفع الميزانية المخصصة لذلك.
ويجب التوسع في إنشاء المسارح ذات السعة الصغيرة (200 – 400 كرسي)، وذلك في أرجاء القاهرة والأقاليم، وإيقاف التعيينات للمثلين والمخرجين ومهندسي الديكور، وغيرهم داخل المسارح المختلفة واستبدال عقود مؤقتة لمدة عامين بالتعيين الدائم، ونظرًا للتداخل الشديد بين المسارح العاملة في قطاع المسرح (الطليعة – الحديث – مسرح الغد، إلخ) يقترح إلغاء كل تلك المسميات وإبقاء المسرح القومي ومسرح العرائس فقط، والانفتاح على الأساليب والمدارس الحديثة في أوربا، في مجال التمثيل، النقد، السينوغرافيا، حيث إن حركة مسرح الدولة الآن متشابهة إلى حد كبير فيما يمثل ظاهرة "الاجترار المعرفي"، وتحديد أسعار التذاكر وتسويقها طبقًا للجدوى الاقتصادية، بحيث تمثل أسعار التذاكر من 30 إلى 40% كناتج للاستثمار.
ويجب التوسع في بناء أوبرا في مدن أخرى، وإلغاء مركزية أوبرات الأقاليم إلى القاهرة؛ والتوسع في تشجيع المؤلفين المصريين وإنتاج أعمالهم حيث إن هناك تقصيرًا شديدًا في هذا الشأن، وإعادة صياغة علاقة الأوبرا بالمجتمع بحيث يكون لها دور أكبر في الطبقات المتوسطة إضافة إلى الطبقات العليا، وإعادة تنظيم ورفع مستوى الفرق الفنية العاملة بدار الأوبرا.
وتقدم الرؤى أيضًا مقترحات لتطوير السينما، والمركز الوطني لرعاية الحرف التقليدية، والجمعيات العلمية، المجلات الثقافية وإصلاح أوضاعها، ودار الكتب والوثائق القومية، والمركز القومي للترجمة.
وحتى تستمر عجلة الإنتاج الثقافي ويتطور أداؤها يتعين أن يحصل كل طرف في نموذج العمل الثقافي على نصيب من عملية الإنتاج الثقافي. أطراف عملية الإنتاج الثقافي هي المنتج الذي يقدم التمويل إلى الأعمال الثقافية، ومبدع العمل، والتسويق الذي ينقل المنتج الثقافي إلى المستهلك، مع مراعاة الأذواق الثقافية، والعمل على خلق احتياجات جديدة لدى جمهور المستهلكين، الذين يقفون في نهاية دائرة الإنتاج الثقافي، بحيث يكون رضاء المستهلك كمًّا وكيفًا أساسًا لاستمرار التطوير الثقافي في المجتمع، كما يكون هناك دور محدود لمؤسسات ثقافية مهمتها فتح أبواب جديدة للتعبير، وإن كان من الممكن أن تصطدم هذه الإبداعات الجديدة بالآراء السائدة في المجتمع وتقع خارج نطاق الذائقة العامة.
ويقوم نموذج العمل الثقافي المقترح على تقديم منافع مباشرة لكل طرفٍ من أطراف عملية الإنتاج الثقافي.
ومن الأمثلة المقترحة زيادة موارد صندوق التنمية الثقافية ليواكب متطلبات تمويل الخطة المقترحة على النحو التالي: تأجير بعض أجزاء قصور الثقافة كمكتبات لبيع المطبوعات وكافيتريات ودور سينما، وهو ما سيخلق أيضًا حيوية وفاعلية داخل هذه القصور، وزيادة منافذ البيع التابعة للصندوق وتنويع منتجاته، وإقامة معارض لبيع اللوحات الفنية والقطع الفنية للشباب، على أن يحصل الصندوق على نسبة من المبيعات ومثلها معارض للحرف التقليدية، ودعوة الشركات الخاصة للمساهمة في مشروعات يساهم الصندوق بنسبة في تمويلها.
وبالنسبة لصندوق تمويل الآثار يقترح إنشاء شركة تابعة للصندوق هدفها إقامة المعارض الأثرية في الخارج، بحيث تضمن أعلى عائد مادي لمصر من هذه المعارض، وإنشاء شركة هدفها الإنتاج الكمي للنماذج الأثرية، وكذلك الإنتاج النوعي اليدوي؛ إذ لا يعقل أن يستمر الاستيراد من الصين وماليزيا وإندونيسيا، وإنشاء شركة لتشغيل المواقع الأثرية ومنافذ المتاحف والكافيتريات لتعظيم عوائدها، سواءً من خلال التشغيل المباشر أو تأجيرها للغير، مع التركيز على المطبوعات من الأدلة والخرائط بلغات عديدة.
أما عن القطاع العام والقطاع الخاص، فيجب التأكيد على أهمية أن يكون هناك تكامل بين القطاعين العام والخاص في دعم الأنشطة الثقافية في مصر.
ويعد القطاع الخاص الممول الرئيسي للكثير من المنتجات الثقافية مثل السينما والمسرح، هذا إضافة إلى أنه قد برزت في السنوات الأخيرة تجارب من قبل المؤسسات المدنية لتمويل الأنشطة الثقافية؛ مثل ساقية الصاوي وجوائز مؤسسة ساويرس الأدبية. يطرح هذا رؤى جديدة حول تكامل دور القطاع الخاص مع الدولة في رعاية الثقافة؛ فيمكن للدولة أن تفسح المجال للقطاع الخاص لإقامة ورعاية أنشطة ثقافية عامة من خلال بعض مؤسسات الدولة، كما يمكن أن تدعم الدولة بعض المؤسسات الثقافية الخاصة في إطار مشروعات يقدمها هذا القطاع، على أن يتم تمويلها بعد دراستها.
وعن استخدام الضمان الحكومي، يمكن اعتماد وسائل جديدة للتمويل لأعمال مثل السينما والمسرح؛ حيث تقوم البنوك التجارية بتمويل منتجيها بالقروض، وتعطي الدولة ضمانًا فقط، على ألا تعطي ضمانها إلا عن طريق صندوق متخصص له لجنة تقييم ومتابعة. ومن ثم، حتى إذا فشلت بعض المشروعات تجاريًّا، سيكون عددها محدودًا، ولن يترتب على ذلك عدم تفعيل الضمان الحكومي إلا في حالات محدودة؛ مما سيؤدي إلى الانتفاع لأقصى درجة من موارد الدولة، مع فتح المجال لإشراك البنوك الخاصة في عملية التمويل للمنتج الثقافي بصورة روتينية.