أصبحت حال قصر الجوهرة الاثري يرثى لها بسبب الإهمال، ويقع القصر في الطرف الجنوبي الغربي للساحة الملكية أو الحوش السلطاني بقلعة صلاح الدين الأيوبي، فالانهيارات الجزئية والتهدم بالقصر، جعله عرضة للانهيار، فما كان من وزارة الآثار إلا أن قامت بصلب أجزاء من القصر وملحقاته، للبدء في ترميمه إلا أن مشروع ترميم القصر المغلق لم يسر كما ينبغي، وتوقفت أعمال الترميم إلى أن تحولت ساحته إلى موقف لسيارات شرطة السياحة والموظفين بالقلعة.
كاميرا "البوابة نيوز" تجولت داخل القصر ورصدت الحالة المأساوية التي وصل إليها، ورغم أن القصر مغلق أمام الزوار إلا أننا تمكنا من الدخول لمشاهدة الشروخ بالأسقف، وكذا الشدادات الفولاذية التي نصبت بجميع أرجائه حماية له من الانهيار وتمهيدًا لبدء أعمال الترميم والصيانة التي على أساسها أغلق القصر أمام الجمهور، إلا أن هذه الأعمال الترميمية لم تبدأ بعد رغم الحالة السيئة التي وصل إليها وإغلاقه لسنوات إضافة إلى تفريغه من محتوياته الثمينة التي باتت حبيسة جدران المخازن.
حالة التصدع لم تكن الأولى في تاريخ القصر فقد تعرض للحريق عدة مرات أولها كان سنة 1819 بسبب حريق نشب في الجبخانة "مصنع البارود بالقلعة وتخزين السلاح"، وامتد الحريق للقصر وظل مشتعلا لمدة يومين، أما المرة الثانية فكانت سنة 1923 ولنفس السبب ولكن الحريق كان أشد واثر على مبان أخرى بالقلعة، وثالث الحرائق كان في سنة 1972 وتم ترميمه من قبل هيئة الآثار بوضع خطة لإعادة القصر إلى ما كان عليه سواء من الناحية المعمارية أو الفنية بما يحتويه من نقوش وزخارف وأثاث وتحف لافتتاحه كمتحف يعرض بعضًا من تاريخ أسرة محمد على باشا.
ونفذت خطة الترميم على مرحلتين تم فيها تجديد وترميم الأجزاء الصالحة للزيارة مع إضافة عدة قاعات بالمبني الملاصق للقصر من الجهة الشرقية والذي كان يستخدم للضيافة في عصر محمد على باشا وهذا الجناح كان مغلقا منذ عام 1952م بعد قيام ثورة يوليو وحتى عام 1983م مع إعادة الواجهة الرئيسية التي تطل على جامع محمد على باشا وانتهت هذه الترميمات في يوليو عام 1983م كما رمم الحمام الملحق بالقصر وتمت معالجة بناء القصر معماريا كما تم ترميم الرسومات التالفة ورسوم ونقوش الجدران، وتمت إضافة قاعات جديدة للعرض هي قاعة الديوراما وقاعة كسوة الكعبة الشريفة والتي كان يعرض بها أجزاء من كسوة الكعبة الشريفة والتي كانت ترسل إلى مكة المكرمة وكانت تصنع في مشغل القلعة وعرض للمحمل.
كما أضيفت أيضا قاعة الكوشة وبها كوشة زفاف الملك فاروق الأول على الملكة فريدة، كما خصص المتحف لعرض التحف الزجاجية من فازات وتحف معدنية من ساعات وشمعدانات، كما ألحق أيضا بالقصر كرسي العرش الذي كان يجلس عليه محمد على باشا، وألحق به حجرة نوم الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث التي زارت مصر في عهد الخديو إسماعيل عند افتتاح قناة السويس، كما كان يعرض المتحف لوحات زيتية نادرة لأسرة محمد على باشا.
كل هذه القطع الفنية تم نقلها إلى المخازن بعد أن أغلق القصر بدعوى الترميم، ولكن المظهر الخارجي للقصر - المحاط بالقضبان الفولاذية التي يستند عليها-، تنذر بكارثة قد تحل قريبًا بواحد من أهم المعالم الأثرية المصرية، ولا سيما بعد تهدم بعض أجزائه الخارجية، ووزارة الآثار لم تتخذ خطوة حقيقية تجاه إنقاذ القصر من الانهيار بدعوى قلة الموارد رغم وجود قطاع كامل لديها خاص بالترميم، ووجود قطاع آخر للمشروعات، به من المهندسين والمرممين ذوى الكفاءة والخبرة والقادرين على إعادة القصر لما كان عليه سابقًا أو على الأقل معالجة وإزالة المخاطر التي يواجهها القصر، وهذا لن يكلف الوزارة إلا المواد الخام التي تدخل في عمليات الترميم.
"البوابة نيوز" تواصلت مع خبراء الآثار والترميم للوقوف على الحالة الكارثية التي يتعرض لها القصر وكذا قيمته كأثر تاريخي يضم تحفا من أزهى عصور العمارة المصرية، ففي البداية، قال الأثري أحمد شهاب رئيس اتحاد أثار مصر: قصر الجوهرة بمنطقة اثار القلعة يعانى الإهمال الشديد، رغم أهمته التاريخية كقصر للضيافة ويضم الهدايا التي تم إهداؤها لأسرة محمد على باشا حتى عهد الملك فاروق، كما يضم القصر مقتنيات أثرية خاصة بمحمد على باشا.
وأضاف شهاب: القصر الآن يعانى الإهمال الشديد، وذلك يتجلى في تشققات جدرانه والتساقط المستمر لمدخل القصر مع العديد من المشاكل في الزخارف الجصية داخله. إضافة إلى سقفه الذي يوجد به خلل في بعض المواقع.
ووجه شهاب نداءه إلى المسئولين بوزارة الآثار وطالبهم بإنقاذ القصر قبل أن يتحول إلى كومة حطام قائلًا: "انقذوا قصر الجوهرة من الإهمال حتى لا نجد أنفسنا أمام اطلاله".
ومن جانبه قال الدكتور مختار الكسباني أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة: يعد قصر محمد على "قصر الجوهرة" من أول القصور التي بنيت بمصر، منذ سنوات قمنا بتجهيز مشروع لترميم قصر الجوهرة كنت أنا المشرف عليه، إلا أن أحداث ثورة 25 يناير كانت سبب في توقف المشروع.
وأضاف الكسباني: أتمنى في القريب أن يكون هناك استكمالا لأعمال الترميم وأن يكون هناك حراك حقيقي لإنقاذ القصر، لأنه ذو قيمة تاريخية كبيرة ويحتوي على تحف فنية نادرة وكان مشروع دراستي في رسالة الدكتوراه، ومن ضمن الأسباب التي اثرت في تعطيل المشروع تحول وزارة الآثار إلى وزارة مستقلة بعد أن كانت قطاعا تابعا لوزارة الثقافة، وهذا الأمر كان له السبب الأكبر في تعطيل الكثير من مشروعات الترميم لأن الوزارة لها ميزانية وفي الغالب الميزانية لا تكفي لجميع أعمال الترميم المطروحة.
ومن جانبه أوضح الدكتور عبدالفتاح البنا أستاذ ترميم المواقع الأثرية بكلية الآثار جامعة القاهرة أن قصر الجوهرة بالقلعة وسرايا العبد خلف مسجد محمد على مصلوبين منذ زلزال 1992 وحتى الآن لم يتم البدء في أعمال ترميمهما.
وأضاف البنا: أرجوا ألا يتم الاقتراب من الأثرين بأعمال الترميم حتى لا نجد أنفسنا أمام كارثة جديدة مثل كارثة ترميم هرم سقارة "زوسر" الذي تم تشويهه، وأن يتم تأجيل أعمال الترميم حتى يكون هناك مسئولون حقيقيون يقدرون قيمة المباني الأثرية المصرية، فقصر محمد على بشبرا تكلف 65 مليون جنيه ترميم وبعد انتهاء أعمال الترميم انهار السقف، فلا نحن أنقذنا الأثر ولا تركنا معالمه التاريخية كما هي، وأتمنى ألا يجرى نفس الأمر على قصر الجوهرة، فوجوده كما هو مصلوب أفضل بكثير من بدء أعمال الترميم ونجد أنفسنا أمامه منهار بعد الانتهاء من ترميمه.