جاءت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لكل من كينيا وإثيوبيا خلال الفترة من 23 ـ 28 يوليو الجاري في إطار تأكيد التواجد الأمريكي في القارة، وفي سياق عملية التقويم المستمرة التي توليها الإدارة الأمريكية لسياستها الأفريقية، خاصة أن زيارته لإثيوبيا هي أول زيارة لرئيس أمريكي لتلك البلد الأفريقي.
وتعد هذه هي الزيارة الرابعة للرئيس أوباما لأفريقيا التي قاربت ولايته الثانية على النهاية، فمنذ تولى أوباما منصبه رئيسا للولايات المتحدة، زار خمس دول أفريقية هي غانا ومصر والسنغال وتنزانيا وجنوب أفريقيا عام 2009، وفي 2013، قام برحلة أكثر شمولا وإيجابية إلى أفريقيا، وسافر إلى السنغال وجنوب أفريقيا وتنزانيا، وخلال هذه الزيارة، أعلن الرئيس المبادرات الفعلية التي تهدف إلى تعميق العلاقات التجارية، ودعم لوجستيات التجارة الإقليمية، وتعزيز الأمن، فضلا عن الإعلان عن أول مؤتمر قمة للولايات المتحدة وأفريقيا القمة الذي عقد في العام التالى، في أغسطس 2014، وعاد إلى جنوب أفريقيا في وقت لاحق لتشييع جنازة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا.
لم تحظى هذه الزيارة بالأهمية القصوى حتى من جانب المحللين الاستراتيجيين كونها جاءت في ظروف غير واضحة ولم يكن لها أجندة أعمال ثابتة، وإذا كانت الزيارة قد تبنت قضايا الإرهاب وحقوق الإنسان في أفريقيا، فتلك القضايا قد تكون هامشية، إذ حاول أوباما بجولته الأفريقية أن يلفت الأنظار عن النقد الأمريكي الداخلي الذي يوجه له، وخاصةً من "اللوبي الإسرائيلي" في اتفاق إيران النووي، ومحاولة لتهدئة الحملة الأمريكية الداخلية ضده بأنه فشل في مواجهات كثيرة في العالم مثل "أوكرانيا، وروسيا، وداعش، وقضايا الشرق الأوسط" لذا يعتبر كثيرون أن زيارة أوباما هي محاولة للتعويض عن ما فات من قبل أول رئيس أميركي أسود خصوصًا، وأنه تعرض للانتقاد لعدم تقديمه الاهتمام الكافي للقارة الأفريقية.
وإذا كانت إثيوبيا قد فرضت نفسها حليفًا قويًا في مكافحة حركة الشباب في الصومال من خلال مشاركتها بفرقة من اربعة آلاف عنصر في قوات الاتحاد الافريقي "اميصوم" المنتشرة في الصومال حيث تؤمن الدعم للقوات المحلية، إلا أن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان تخشى أن تفسر السلطات الإثيوبية زيارة أوباما بمثابة ترخيص لقمع وسائل الإعلام والمعارضة. وكانت وزارة الخارجية الأميركية أشارت في تقريرها السنوي الصادر في يونيو الماضي حول حقوق الإنسان في إثيوبيا إلى "القيود على حرية التعبير" مضايقة وتخويف أعضاء المعارضة والصحفيين" إضافة إلى "محاكمات سياسية".
خريطة طريق لمستقبل العلاقات
ورغم ذلك لا تخلو تلك الزيارة من التأكيد على أبعاد أمريكية مهمة على المدى البعيد، أول هذه الأبعاد، أن زيارة أوباما تشكل خطوة مهمة على طريق السعي الأمريكي لاستغلال القارة الأفريقية الغنية بالمعادن وخاصة الذهب واستثمارها اقتصاديًا، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي حيث أكد خلال استقباله ديبلوماسيين ومسؤولين سياسيين واقتصاديين ومنظمات غير حكومية تعمل في أفريقيا: "إن القارة الأفريقية هي مكان ديناميكي لا يمكن تخيله، إذ توجد بعض الأسواق الأكثر نموًا في العالم، وهناك أناس مهمون"، هذا وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال العام الماضي 73 مليار دولار.
وفي السياق نفسه، قال بن رودس نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في وقت سابق "نحن نرى أفريقيا باعتبارها واحدة من المناطق الناشئة الأكثر أهمية في العالم، وهناك تزايد للفرص الاقتصادية هناك لزيادة التجارة والاستثمار من قبل الشركات الأمريكية وتعميق علاقتنا التجارية والشراكات الاستثمارية في أفريقيا، إضافة إلى مساندة المؤسسات الديمقراطية".
وثاني الأبعاد، أن أمريكا تسعى إلى تقليص النفوذ الفرنسي في أفريقيا، وخاصةً أن أفريقيا تشكل أحد أهم مصادر القوة الفرنسية، والاهتمام الفرنسي بالقارة السوداء واضح فمنذ 2011 وحتى 2014 تدخلت فرنسا بشكلٍ مباشر في القارة أربع مرات، في ساحل العاج وليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى، كما لا توجد دولة كبرى تقف على قدم المساواة مع فرنسا من حيث عدد المعاهدات العسكرية التي تسمح لها بالتدخل في بعض دول القارة، وعلى هذا تشكل زيارة أوباما تعزيزًا للنفوذ الأمريكي على حساب النفوذ الفرنسي، وخاصة أن أمريكا تسعى إلى زرع المزيد من القواعد العسكرية في أفريقيا بهدف جعل هذه القارة قاعدة عسكرية أمريكية كبرى، وذلك للموقع الإستراتيجي الذي تتميز به أفريقيا.
وثالث الأبعاد، أن الصين هي الغائب الحاضر في تلك الزيارة، فقد رأت إدارة الرئيس أوباما أنه يحتاج إلى انتهاج خط جيوسياسي جيد، ففي الوقت الذي تواصل الصين تكثيف أنشطتها في شرق أفريقيا، لا يمكن لواشنطن أن تتحمل تبني لهجة متغطرسة، وكل من كينيا وإثيوبيا قامتا بخطوات كبيرة في العقد الماضي، وتستعدان للدخول الآن في مجموعة الاقتصادات ذات الدخل المتوسط.
وقد حقق المستثمرون الصينيون تقدما كبيرا في القارة السمراء خلال العقود الأخيرة، من خلال التفاوض على العديد من مشاريع البناء، وحقوق التعدين، وصفقات التنقيب عن النفط والغاز، كما أن الصينيين لا يضعون شروطا سياسية على مساعداتهم أو استثماراتهم، فضلا عن أنهم يقدمون قروضا بشروط أفضل بكثير.
ومن هنا يسعى أوباما للحد من علاقات الدول الأفريقية مع الصين، وخاصة أن الكثير من الدول الأفريقية بدأت تتجه لرسم علاقات اقتصادية معها باعتبارها لا تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأفريقية.
أما رابع الأبعاد، أنها قد تكون زيارة أوباما الأخيرة إلى أفريقيا كرئيس ذات تأثير قوى، فمن المهم أن تركز على عدد قليل من القضايا الرئيسية المتعلقة بالسياسات ذات التأثير القارى بدلا من الكثير من السياسات الصغيرة المجزأة.
ولذا ترغب واشنطن في انتهاج سياسة تُبنى على تبادل المنافع والمصالح في المداولات خلال مؤتمر قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، والتركيز على قضايا السياسات الرئيسية المتضمنة إستراتيجيات تعاونية في مكافحة الجماعات الإرهابية في أفريقيا ودعم مشروع التكامل الإقليمى في أفريقيا لا سيما من خلال مشاركة القطاع الخاص الأمريكى.
ويبقى القول أن زيارة أوباما لأفريقيا كانت من أجل وضع جدول أعمال يركز على التنمية في مرحلة ما بعد عام 2015، ويحدد معالم الطريق أو خريطة المستقبل التي ستعمل بها الولايات المتحدة مع الأفارقة في دفع جدول أعمال التنمية.