تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أعمل في الصحافة الفنية منذ ٣٠ سنة كاملة.. ولم يحدث أن ضبطت ممثلة أو مطربة من الجيل الجديد لها علاقة بالسياسة بمعناها «الحزبى» جميعهم يمارسونها من بعيد لبعيد، وأنضجهن عادة ما تمارسها بمنطق «ابعد عن الشر وغنى له» لكن السياسة بمعناها البسيط تطاردنا أينما ذهبنا حتى لو غنينا لها، فما بالك بمطربة لازم وحتما ولابد هتغنى في يوم لفقير أو أمير أو رئيس قامت عليه ثورة.
واللي عرف شيرين وكل نجمات جيلها يعرف أنهم معذورون لو قرروا طلاق السياسة بالتلاتة، فهذا الجيل ولد في نهايات عصر السادات، وتربى على بدايات عصر مبارك الذي حرك العمل الحزبي في الجامعة في المدارس وفى الأحزاب كمان، وكان من الطبيعى أن ينشغلوا فقط بما يمارسونه في أغنياتهم وأقصى طموح لربط هؤلاء النجوم بالسياسة، هو مشاركتهم في الاحتفالات الوطنية بمناسبات قومية متفق عليها من الجميع احتفالات أكتوبر، عيد تحرير سيناء، مباريات المنتخب القومى بقيادة الجوهرى وحسن شحاتة، هذا في أحسن الأحوال، وبهذا المنطق كان من الطبيعى ألا يكون بين السياسة وشيرين عمار أو خراب، «بس طبيعى برضه أن لما يطلع نجم جديد يحاول المتفذلكون اصطياده وتوريطه في مهاترات سياسية، هو مالوش دعوه بيها أصلًا وده اللي حصل مع شيرين»، المفارقة أن أولى أغنيات شيرين عبدالوهاب المصورة، كانت تحكى قصة طفل فلسطيني مشرد كان يتمنى أن يعيش حياة الأطفال العاديين، والمفاجأة أن أولى مشاكلها مع عالم السياسة جاءت من إسرائيل، سألتها مذيعة مشهورة في برنامج عن إسرائيل والتطبيع، فقالت كلاما فهم منه أنها تؤيد التطبيع وقامت القيامة لكن ربك ستر، واعتذرت شيرين وعدت الحكاية، لكنها فتحت عيونها على هذا العالم الذي لم تكن تعرفه، فقررت الفرار بجلدها عن أي كلام قد يفهم البعض أن له علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد.
قبلها بسنوات تورط عمرو دياب، وهو في عز نجوميته وقال إن عبد الحليم حافظ كان يغنى لعبدالناصر وللسد العالى، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ثم تندر وقال «أعمل إيه أغنى للمترو يعني»، وخرج عمرو دياب من الأزمة بصعوبة وابتكر فكرة أن يظل النجم بعيدًا عن أضواء الإعلام وأفخاخ الصحافة التي تورط النجوم دائما فيما لا يريدون.
استفادت شيرين من أزمة تصريحات التطبيع، ومن سيرة عمرو دياب وحاولت أن تغنى بعيدًا عن عالم السياسة وناسها، لكنها لم تستطع، فالأمر ليس بيدها تمامًا، كان أنس الفقى قد أمضى ثلاثة أعوام في موقعه كوزير للإعلام، وقرر فجأة أن ينشئ مكتبة جديدة للأغنيات الوطنية دعا عددا من شعراء المرحلة مدحت العدل وأيمن قمر وبهاء محمد وغيرهم من الجيل الجديد عمرو مصطفى وليد سعد وآخرين، وكانت الفكرة أنه لا توجد أغنيات للبلد يحفظها الأطفال الصغار، وأننا حينما نفرح بفوز فريق مصرى، نستدعى أغنيات شادية من المكتبة، وكان المطلوب أن يكون نجوم هذا الجيل هم أصحاب الحناجر التي تشيل، وكان من الطبيعى أن تكون شيرين من بينهم وجهزوا لها أغنية ماشربتش من نيلها، لشاعر جديد يكتب لأول مرة، ومن ألحان عمرو مصطفى الذي خرج بعد نجاح الأغنية ليقول إنه سيبحث عن مطرب آخر يؤديها مجددًا، لأن شيرين لم تغنها كما يجب.كان عمرو مقاطعا لشيرين لاستعانتها بملحنين منافسين في ألبومها، لم يكن الأمر له علاقة بأدائها، فقد نجحت الأغنية تماما، وصارت مقررا في كل القنوات، وفى كل الأوقات، وبنفس الطريقة غنت شيرين لمبارك عقب عودته من رحلته العلاجيه في ألمانيا وقتها حدثت ضجة كبرى في القاهرة سببها عدم الإعلان أولا عن حالة مبارك، وسأل البعض عما سيحدث في البلاد لو مات الرجل، هل سيعجل بتوريث نجله؟ تلك الحالة صاحبتها حالة تعاطف ليست غريبة على المصريين مع صحة الرجل، وبالمنطق نفسه ذهبت شيرين للاستديو لم تكن تفكر بشكل سياسي هي مطربة ولا علاقة لها بالأحزاب ولا برجال النظام أو أعدائه، هي تراه مثل ابيها الذي دخل إلى غرفة العمليات فقط.
«مش أنت كبيرى أنا وغيرى وبينا محبة وعشرة دم.. لما قالولى إنك في شدة شفت صورة أبويا فيك.. نفسى أطير وف ثانية واحدة أمد إيدى ألمس إيديك».
عاد مبارك ومرت الأزمة ومرت أغنية شيرين، دون أن يقف عندها أحد، لكنه بعد أقل من عامين حدثت ثورة ٢٥ يناير ووجدت شيرين من يبحث عن أغنيتها لمبارك ويتهمها بأنها مطربة العصر البائد، وأنها من الفلول وحسنا فعلت عندما التزمت الصمت، واختفت تماما، فقد كان نصيب شريكها في النجاح تامر حسني علقة في ميدان التحرير عندما حاول ركوب الموجة والتوغل إلى هناك لمناصرة الثائرين على مبارك، حسنا فعلت بركوب موجة الصمت، لتمر أزمة أكبر من كل ما تعرضت له قبل ذلك.
كان الطريق بمطباته مفروضًا على شيرين، لكنها حتما اختارت أن تمشى فيه حتى آخره بكل أفراحه وأحزانه، كانت تلك البداية فقط وبعض مشاهد من لياليها، لكن الطريق نفسه بكل تفاصيله هو ملك لـ«أم البنات» ربما تحكيه لنا إن أرادت قريبًا.