دائما ما كانت الآثار الإسلامية بالقاهرة عُرضة للتخريب والسرقة وبالأخص خلال القرن الماضى، ولكن عدد الجرائم قد تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الماضية، جهات عديدة معنية بالحفاظ على التراث، والحفاظ على القاهرة التاريخية مثل حملة «انقذوا القاهرة التاريخية» تابعت السرقات التي وقعت بالمدينة التاريخية بشكل متواصل منذ عام2007، عندما بدأ انتزاع الحشوات الخشبية من أقدم وأجمل المنابر المصرية، وتبين أن هناك طلبا من نوع جديد في سوق التحف والآثار، وأن هناك عصابات منظمة ومتخصصة تعمل على تغذية هذه الأسواق، الأمر الذي يوضح أن هذه السرقات لم تنفذ بشكل عشوائى، فهؤلاء اللصوص يدركون جيدًا قيمة العناصر والقطع التي يسرقونها، فهى قطع أصلية لا يمكن العثور على مثيلاتها في أي مكان آخر في العالم.
«البوابة» تواصل فتح ملف الانتهاكات التي تتعرض لها القاهرة التاريخية بشكل منظم دون وجود رادع لما تتعرض له من حملات تشويه وسرقات مستمرة.
منذ ما يزيد على سبع سنوات، والانتهاكات تطال المساجد بالقاهرة التاريخية، إضافة إلى السرقات المستمرة التي تجرى كل يوم تقريبًا في الآونة الأخيرة، ومن المؤسف أن الجهات المنوط بها حفظ هذه الآثار من التلف والسرقة لم تقم باتخاذ أي إجراءات جادة في سبيل تعزيز أمن المناطق المحيطة بهذه الآثار والوصول إلى هذه العصابات التي استباحت مساجدنا الأثرية، ما شجع هذه العصابات على التجرؤ وسرقة أحد أهم المبانى الأثرية بالقاهرة والتي ترجع إلى العصر المملوكى البحرى والجركسى، فقد سرقت حشوات من كرسى المصحف بمدرسة السلطان حسن بميدان القلعة، كما تمت سرقة حشوات من باب مدرسة السلطان برقوق مرتين والذي يقع في شارع المعز، وهذان الأثران من أهم الآثار المملوكية بالقاهرة واللذان يقعان في منطقتين من المفروض أنهما مؤمنتان على أعلى مستوى.
ويطالعنا المسئولون في وزارتى الآثار والأوقاف كل مرة بنفس التصريحات المكررة، بحيث يلقى الأول المسئولية واللوم على الثانى والعكس، غير مبالين بالحالة الكارثية التي وصلنا إليها وبالنزيف المستمر لتراثنا الإنسانى الذي لن يعوض، وذاكرة المدينة التي تمحى يوميا بفعل هذه السرقات، ليصبح إجمالى الآثار المسروقة أربعة وعشرين أثرًا منذ عام٢٠٠٧ وحتى يومنا وهى المعلن عنها فقط والمعروفة والموثقة بالصور.
«البوابة» رصدت عددًا من هذه السرقات التي تمت في حق المساجد الأثرية بالتعاون مع حملة «انقذوا القاهرة التاريخية» ومن أبرزها:
1- الطنبغا المارداني
مسجد «الطُنبُغا الماردانى» المبنى عام ١٣٣١م، ومسجل كأثر برقم ١٤١، من الآثار العريقة التي تقع في شارع التبانة بالدرب الأحمر، أحد أقدم الآثار الإسلامية، تعرض للسرقة عدة مرات كان آخرها انتزاع الحشوات الخشبية للمنبر، وتم نقل جميع العناصر المسروقة والبالغ عددها ٨١ جزءًا إلى إحدى صالات المزادات بإنجلترا، واشترتها جميعًا «لجنة حفظ الآثار العربية» في ذلك الحين وقامت بإعادة المنبر لهيئته الأصلية.
2- الصالح طلائع
مسجد الصالح طلائع ثالث مسجد معلق في العالم، بُنى عام ١١٦٠م، ومسجل كأثر برقم ١١٦، يهتم به الغرب ويجهل تاريخه الشرق فهو أحد أهم مساجد منطقة القاهرة التاريخية في منطقة حى الأزهر، تم بناؤه فوق حوانيت، لذا أطلق عليه المسجد المعلق، تعرض المسجد لحالات سرقة كان آخرها في أغسطس ٢٠٠٧، تم خلالها انتزاع سبع حشوات خشبية زخرفية من المنبر، من منبر المسجد، وهى الحشوات التي لا يوجد مثيل لها الآن وتعد من أندر كنوز المعالم الإسلامية.
3- الفكهانى
يرجع تاريخ مسجد الفكهانى الجامع الأفخر سابقًا إلى القرن السادس الهجرى «الحادى عشر الميلادى»، ويقع المسجد على رأس حارة حوش قدم في شارع المعز لدين الله، المسجد مسجل كأثر برقم ١٠٩، وفى ١٧ سبتمبر ٢٠٠٨ تمت سرقة حشوة خشبية ٤٠x٢٠ سم من باب المدخل المطل على حوش قدم، كما تمت سرقة بعض القطع من منبر المسجد التي تحمل الطابع الإسلامى الخالص، وهى أيضًا من القطع النادرة جدًا.
4- مجنك اليوسفي
مسجد مجنك اليوسفى بالثغرة تحت قلعة الجبل خارج باب الوزير أنشأه الأمير سيف الدين مجنك اليوسفيّ في مدّة وزارته بمصر في سنة ١٣٤٩م، وصنع فيه صهريجًا فأصبح يُعرف إلى اليوم بصهريج مجنك، أو مسجد مجنك اليوسفى المسجد مسجل كأثر رقم ١٣٨ تعرض المسجد لسرقة زخارفه الخشبية في سبتمبر ٢٠٠٨ إلى جانب حشوات مصراعى باب المنبر، وحشوات الطبق النجمى المطعم بالعاج والأبنوس.
5- جانم البهلوان
بناه الأمير جانم البهلوان، في شارع السروجية، بمنطقة الدرب الأحمر، سنة «١٤٢٩م»، ومسجل كأثر رقم ١٢٩، في مايو ٢٠٠٨ سُرقت الحشوات الخشبية من المنبر، ثم عثرت الشرطة الدنماركية في كوبنهاجن على القطع المسروقة في ٢٠١٢، وذلك في طرد بريدى مرسل من أمريكا إلى سويسرا، وتمت استعادة هذه القطع في ٢٠١٤، واليوم يتكئ على واجهة المسجد، عدد كبير من الباعة الجائلين، غير مكترثين لقيمة الأثر.
6- سبيل رقية دودو
يقع سبيل رقية دودو في شارع سوق السلاح، ويعتبر ثالث سبيل ينشأ لامرأة في العصر العثمانى، كما يعتبر أول الأسبلة العثمانية النسائية التي اتخذت النمط التركى الوافد في التخطيط نموذجا لها، يتكون السبيل من حجرة مستطيلة في ثلاثة أضلاع، بينما يأخذ ضلعها الرابع المطل على الشارع الهيئة المقوسة، وفتح فيه ثلاث دخلات تمثل شبابيك التسبيل الثلاثة، تم بناؤه عام ١٧٦١م، ومسجل كأثر رقم ٣٣٧، وتمت سرقة الشبابيك النحاسية الثلاثة الكبيرة التي كانت تغطى نوافذ السبيل في وقت غير محدد قبل عام ٢٠١٠ ولم يعثر عليها حتى الآن.
7- الأزرق مسجد «آق سنقر»
جامع آق سنقر في شارع باب الوزير أنشأه الأمير شمس الدين آق سنقر أحد أمراء الناصر محمد ابن قلاوون، تم بناؤه عام ١٣٤٧م ويتكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة ومنبره من أقدم المنابر بالمساجد الأثرية، والمسجد مسجل كأثر رقم ١٢٣، وتمت سرقة لوحة زخرفية من السيراميك من جدرانه، بأبعاد ٣٠ سم ٢٢ سم.
8- قانيباى الرماح
بنى هذا الجامع الأمير قانيباى السيفى أمير اخور سنة «١٥٠٣م» في أيام سلطنة قنصوة الغورى، وألحق به سبيل وكُتاب، ويعد من الجوامع المعلقة فهو مبنى على عقود مُصَلّبة تحملها اكتاف حجرية مربعة تكون حجرات وطرقات أسقف الجامع.
تخطيط الجامع من صحن أوسط تتعامد عليه أربعة إيوانات مسقوفة بعقود متنوعة الأشكال، المسجد مسجل كأثر برقم ١٣٦، في نهاية ٢٠١٠ سُرق المنبر بكامله من المسجد، وهو ما يبين مدى الإهمال الجسيم، ويوضح أن هناك حملة منظمة لتفريغ وسرقة التراث الإسلامى المصرى القديم.
9- السلطان حسن
جامع السلطان حسن أو مدرسة السلطان حسن، بميدان صلاح الدين في حى القلعة، بُنى في عصر الدولة المملوكية، أزهى عصور مصر في العصور الوسطى، المجموعة مسجلة كأثر رقم ١٣، عام ٢٠١٢ تمت سرقة مجموعة من القطع الخشبية من «كرسى المصحف» الموجود بغرفة الضريح، ومنذ ذلك الحين، تم إغلاق الغرفة ولم يعد يُسمح للزوار بالدخول، رغم أن هذه الغرفة كانت أبرز أجزاء الزيارة.
10- السلطان المؤيد شيخ
مسجد السلطان المؤيد شيخ تم بناؤه عام ١٤٢٠م ومسجل كأثر برقم ٢١٣، نقل بابه إليه من مسجد السلطان حسن حينما كان السلطان مؤيد شيخ يبنيه، سُرقت بعض القطع من الزخارف الدائرية بهذا الباب في أكتوبر ٢٠١٢ كما سرق مقبضا الباب وتبين أن واحدا سُرق، والآخر تم انتزاعه من قبل شيخ الجامع «لوضعه في مكان أمين»، كما سُرقت الحشوات السفلية التي نقش عليها اسم السلطان حسن خلال أحداث ثورة يناير، كما تم انتزاع بعض القطع من المنبر، وأخير تمت سرقة حشوات جديدة من الباب الرئيسى في شهر يونيو ٢٠١٤.
11- قجماس الإسحاقي
مسجد قجماس الإسحاقى أو مسجد الخمسين جنيه، بحى الدرب الأحمر أنشأه الأمير قجماس الإسحاقى أحد أمراء المماليك الجراكسة، ويعد المسجد من أهم المساجد التي بنيت في عصر قايتباى، وتكمن أهميته في دقة الصناعات المختلفة الموجودة به، بنى المسجد عام ١٤٨٠م، ومسجل كأثر رقم ١١٤، ورغم أهمية المسجد وخطورة موقعه سُرقت حشوات من المنبر، وكذلك مقبض لطرق باب المدخل الخاص بالمسجد.
12- السلطان برقوق
يقع المسجد في شارع المعز لدين الله بين المدرسة الكاملية ومسجد الناصر محمد، وأنشأه السلطان الظاهر أبو سعيد برقوق أول من ولى حكم مصر من المماليك الجراكسة، عام ١٣٨٦م، وبنى المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد فهو مكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات وقد عنى مهندسه - ابن الطولوني- بتخطيطه وتنسيقه وتأنق في زخرفته وتزيينه، فقسم إيوان القبلة إلى ثلاثة أقسام وغطى القسم الأوسط منها بسقف مستو محلى بنقوش مذهبة، وسرق المنبر الأصلى للمسجد وحل محله المنبر الحالى الذي أمر بعمله السلطان أبو سعيد جقمق في منتصف القرن الخامس عشر الميلادى، وعلى الرغم من موقع المسجد المطل على الشارع الرئيسى في المدينة التاريخية، وهو شارع المعز، إلا أنه كان هدفا لعمليتى سطو في ديسمبر ٢٠١٢ وفى ديسمبر ٢٠١٣، وتم انتزاع الكثير من الحشوات والزخارف التي تزين منبر وباب المسجد.
13- السلطان الأشرف برسباى
أبدع المهندسون في عمارة مسجد السلطان الأشرف برسباى، فالمسجد عبارة عن مصلى فسيح يتكون من صحن مكشوف «تبزغ خلاله الشمس داخل المسجد.
كانت الأبواب الخشبية من المنبر وبابى المقدم الأماميتين والبابين الجانبيين بمجموعة مسجد السلطان الأشرف برسباى والذي تم بناؤه ١٤٣٢م والمسجل كأثر رقم ١٤١، أبرز وأهم السرقات، واكتشفت السرقة عام ٢٠٠٧.
14- ضريح السلطان قايتباي
بنىَ المسجد الملك الأشرف أبو النصر قايتباى، ويتكون المسجد من صحن مسقوف، بوسط سقفه شخشيخة، وتطل عليه أربعة عقود تفتح إلى أربعة إيوانات متقابلة أكبرها إيوان القبلة، وعلى أوجه هذه العقود طراز مكتوب به اسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء، وتزدان أسقف الإيوانات الأربعة والصحن بنقوش مذهّبة جميلة امتازت بهدوء ألوانها وتجانسها، وبصدر إيوان القبلة محراب حلّيت طاقيته بتلابيس من الحجر الأحمر على شكل شرفات ويقوم بجواره منبر خشبى جمعت ريشتاه وبابه على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات من السن المحفور بزخارف دقيقة، تم بناء المسجد عام ١٤٧٤م، ومسجل كأثر برقم ٩٩، تعرض هذا المسجد لثلاث عمليات سرقة، كان آخرها في فبراير ٢٠١٣ حينما استُهدف المنبر وتم تفريغ عدد كبير من حشواته وزخارفه، وقبل ذلك أزيلت الزخارف النحاسية المركزية الموجودة بباب المدخل أو «ما يعرف بالبخارية» وتمت أيضا إزالة الحشوات الخشبية من كرسى المصحف.