السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

فضيحة بالمستندات لقراصنة البترول.. تواطؤ شركتا شِل ونوبل إنرجي لتسهيل استيلاء الأخيرة على حقول الغاز المصرية في الحدود البحرية بالمتوسط لصالح إسرائيل

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما يتعلق الأمر بمستقبل الوطن ومقدراته فلا يمكننا قبول التعامل معه
بتهاون أو تفريط، وإذا كان هذا الأمر يتعلق بنهضة شعب وارتقاء أُمة فلا يمكننا السكوت
عن فساد أو تقصير لأن الأمر ببساطة يصبح "قضية أمن قومي ".

في هذا التقرير لا نحاول إثبات
حق مصر – المستولى عليه – في غاز شرق المتوسط
فهذا الحق مثبت تاريخيًا وجغرافيًا وقد سَبقنا الكثيرون إلى محاولاتٍ عِدَّه تبحث في
القياسات والأبعاد والحدود وأجمعت كل تلك المحاولات على أحقية مصر في جزء كبير – إن
لم يكن كل – هذا الغاز، ولكن ما نحاول إثباته هنا هو توافر شبهة التواطؤ وتسهيل الاستيلاء
على ممتلكات مصر وثرواتها الطبيعية من خلال سبر أغوار لغز "إمتياز نيميد"
ورصد تصرفات شركة "شل" المريبة في الفترة التي قضتها في شرق المتوسط، لتحديد
طبيعة العلاقة المشبوهة بين شركة نوبل إنرجى الأمريكية ورويال دتش شل البريطانية وكشف
مؤامرة قراصنة شرق المتوسط الجدد.

في عام 1999 أرست الهيئة العامة للبترول أكبر امتياز تنقيب بحري على شركة رويال دتش شِل للبحث والتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط
( نيميد (NEMED وذلك بالإشتراك مع بتروناس كاريكالى الماليزية والشركة المصرية القابضة
للغاز الطبيعى، ويمتد الامتياز من شمال الدلتا حتى السفح الجنوبى لجبل إراتوستينس المُثبت
ملكيته لمصر منذ عام 200 ق.م، وفي شتاء 2000-2001 قدرت شركة شل احتياطي الغاز ببلوك
نيميد بناءً على المسح السيزمى بنحو 8.0-1 تريليون قدم مكعب من الغاز وبناءً على ذلك
قامت شل بأول برنامج استكشاف في نيميد.

على الجانب الآخر من المتوسط وقبل بداية
هذه الأحداث بعام كان نيكوس رولانديس وزير الخارجية (1978-1983) والتجارة والصناعة والسياحة ( 1998-2003)
القبرصى يسعى جاهدًا لإقناع الحكومة القبرصية بأهمية البحث عن الغاز بشرق المتوسط، وذلك
بدعم وتوجيه من شركات الطاقة الأمريكية التي سعت لرولاندس من أجل الفوز بهذه المنطقة
الواعدة، وظل رولاندس يحارب من أجل تحقيق حلم اكتشاف الغاز الذي جعله محل سخرية الصحافة
لفترات طويلة إلا أن الرئيس القبرصي آن ذاك دعَّمه بشكل قوي وكلفه باستكمال خِطَّتُه،
وبالفعل عاد رولاندس لاستكمال تحركاته في سِرِّية تامة وبدأ بإسرائيل وتناقش مع سفيرها
بخصوص المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص مع الحدود الإسرائيلية، وفي إبريل 2001 اجتمع
بالرئيس السابق جورج بوش ووزير التجارة دون إفانز ووزير الطاقة سبنسر إبراهام – والمرشح
الرئاسى المستقبلى – جون ماكين ولم تتوفر أية معلومات بخصوص هذا الاجتماع، ولكن يمكنك
إطلاق العنان لخيالك في تصور مجرى سير هذا اللقاء، وفي سبتمبر 2002 بلبنان التقى رولاندس
بالرئيس اللبنانى إميل لحود ورئيس الوزراء رفيق الحريرى ووزير النفط محمد بيضون لترسيم
أولى للمنطقة الاقتصادية الخالصة بين قبرص ولبنان، وبعد أن أكمل رولاندس خطواته التمهيدية دخل في سلسلة من المفاوضات
الشاقة مع مصر أسفرت عن موافقة سامح فهمى وزير البترول – آن ذاك – على ترسيم المنطقة
الاقتصادية الخالصة لمصر وقبرص، وباعتراف رولاندس في اللقاء الصحفى الذي أجراه مع صحيفة
سايبروس ميل والمنشور في 1 يونيو 2014 والذي صرح فيه بمدى فخره لقيامه برسم خريطة الحدود
الاقتصادية لقبرص في 2002 قبل البدء في المفاوضات مع مصر وكيف أنه تمكن من الحصول على
تلك الحدود تمامًا كما سعى لها.
وبالفعل في فبراير 2003 وقعت مصر مع قبرص اتفاقية ترسيم للحدود البحرية بين البلدين ترتب عليها اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي
على الرغم من جور تلك القسمة على حقوق مصر في منطقتها الاقتصادية الخالصة.

وبعد ترسيم الحدود بين الدولتين استمرت
شل في ممارسة عملها دون أي تغيير في حدود الامتياز الممنوح لها من الحكومة المصرية
وفي فبراير 2004 رفعت شركة شل سقف توقعاتها للاحتياطيات المحتملة بنيميد إلى 15 تريليون
قدم مكعب من الغاز وبناءً على ذلك أعلنت الشركة أنها ستعمل خلال الأربعة أعوام المقبلة
على تحويل المشاريع المكتشفة إلى حقول منتجة، إلا أن ما تلى ذلك من تصرفات قامت بها
شل خلال الفترة اللاحقة لإعلانها الأخير حمل العديد من علامات الاستفهام.

في نوفمبر 2005 أرسلت شل رئيسًا جديدًا لشركتها في مصر وكانت مهمته غير
المعلنة هي تقليص أعمال شل للحفر والتنقيب في مصر، وفي فبراير 2007 أعلنت شل أنها بصدد
إستئجار الحفار "ترانس أوشن إكسبدشن" لحفر أربع أبار بامتياز نيميد إلا
أنه لم يتم الإعلان عن أي أنشطة حفر بالمنطقة وبمراجعة أنشطة الحفار المذكور تبين أن
شل مصر حجزته للمجيء في صيف 2005 إلا أنه لم يأت إلى مصر على الإطلاق !!! ولم يصدر
أي تصريح من قبل الشركة حول ما تم التوصل إليه في أعمال الحفر والتنقيب بمنطقة شرق
المتوسط منذ هذا التصريح، والسؤال الذي يطرح نفسه هو أين الهيئة العامة للبترول من
كل ذلك وأين هي من المتابعة والإشراف على أعمال الامتياز بشرق المتوسط؟ ويظل الغموض
محيطًا بموقف الهيئة في تعاملها مع تصرفات شركة شل بامتياز نيميد.

على بعد عدة كيلومترات بحرية من موقع امتياز
نيميد كان الظهور الأول لشركة نوبل إنرجى في المشهد حين أعلنت بالاشتراك مع إسرائيل في يناير
2009 عن اكتشاف حقل تمار للغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية المقابلة لمدينة
صور، ثم جاء الظهور الثانى لها في يونيو 2010 حين أعلنت شركات نوبل إنرجى الأمريكية
وأفير وديلك الإسرائيليتان عن اكتشاف حقل ليفيثان للغاز في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس
– 450 بليون متر مكعب وهو ما يوازي 100 مليار دولار – وبخلاف اعتراف إسرائيل بأن حقلا
تمار وليفيثان يقعان في مناطق بحرية متنازع عليها فإن الحقلين الجديدين لن يجعلا إسرائيل
في احتياج إلى الغاز الطبيعي المصرى بعد الآن، ولم تمض سوى عدة شهور وتحديدًا في نهايات
ديسمبر 2010 حتى وقعت قبرص وإسرائيل إتفاقًا للتعاون والتنسيق في التنقيب عن النفط
والغاز الطبيعي واستخراجهما في المناطق الاقتصادية المشتركة التي تجمعهما في شرق المتوسط
دون الرجوع إلى مصر.. كما هو متفق عليه في اتفاقية ترسيمم الحدود البحرية بين مصر وقبرص،
وما كانت إلا أيام قليلة تفصل بين تاريخ توقيع العقد وإعلان الرئيس القبرصى دميتريس
خريستوفياس في "يناير 2011" إكتشاف بلاده لأحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم
– حقل "أفروديت"27 تريليون قدم مكعب من الغاز بقيمة 120 مليار دولار – بالبلوك
12 من امتيازات التنقيب القبرصية الممنوحة لشركة نوبل إنرجى، وهو الأمر المستحيل عمليًا،
وبذلك يكون الظهور الثالث لشركة نوبل إنرجي الأمريكية التي إستحوذت على أكبر احتياطي
غاز وبترول في منطقة شرق المتوسط بحقلي ليفيثان وأفروديت بالسفح الجنوبى لجبل إراتوستينس
والذي نؤكد مرة أخرى على ملكية مصر له منذ عام 200ق.م
ولكن كيف يمكن لشركة نوبل إنرجي أن
تقوم بأعمال البحث والتنقيب في مناطق تتراكب وتتداخل بالحدود المصرية الاقتصادية والممنوحة
لشركة شل في إمتياز نيميد دون علم الأخيرة بهذه التحركات؟ إلا إذا كانت هذه التحركات
بعلم مسبق وتنسيق مع شل، وأن الأخيرة كانت مجرد غطاء لتحركات نوبل إنرجي بالمنطقة يُسهل
لها عملية الاستيلاء على آبار الغاز بشرق المتوسط وبمجرد أن يستتب الأمر لنوبل إنرجي
ستغادر شل المنطقة، وهو ما حدث بالفعل في مارس 2011 حيث قررت شل بدون أي مقدمات الانسحاب
من امتياز نيميد متعللة بارتفاع تكلفة الحفر واستخراج الغاز مقارنةً بعوائد بيعه، ليأتي
هذا التبرير ناقضًا لتوقعاتها التي أعلنتها في 2004 بصورة مثيرة للريبة.. كما كان أيضًا
موقف وزارة البترول المصرية التي لم تعقب على قرار الانسحاب واكتفت بتقديم الشكر لشركة
شل دون الرجوع عليها بالشرط الجزائي الموقع بين الطرفين مثيرًا للشك بصورة كبيرة.

كان الهم الشاغل أثناء إعداد هذا التقرير
هو الوصول إلى أي خيط أو دليل يمكن إتباعه لنتمكن من ربط كل ما سبق من قرائن وشواهد
معًا، وبالبحث في بيانات شركة رويال دتش شل الهولندية تبين أن أكثر من 40% من رأسمال
الشركه أمريكي، وبمراجعة البيانات المنشورة على الموقع الرسمى لشركة نوبل إنرجي الأمريكية
والخاصة بأعضاء مجلس إدارة الشركة ورؤسائها التنفيذيين لفت انتباهنا ونحن نطالع سيرتهم
الذاتية أن السيد كينيث فيشر نائب الرئيس التنفيذي ورئيس إدارة التمويل المالي للشركة
ووفقًا لما جاء بسيرته الذاتية قد إلتحق بنوبل إنرجي في نوفمبر 2009 على المسمى الوظيفي
السابق ذكره بعد أن أنهى خدمته كمدير لإدارة التخطيط وتطوير الأعمال بشركة رويال دتش
شل في الفترة من 2007- 2009 كما كان أيضًا نائبًا للرئيس التنفيذى للتمويل لفرع الشركة
بالولايات المتحده شل أبستريم أمريكا، ورئيس إدارة التمويل المالي ل يو-إس شل في الفتره
من 2002 – 2004.

حاولت كثيرًا أن أتعمق في البحث عن تاريخ
السيد كينيث فيشر على
موقع شركة شل ولكن لم يسفر البحث عن معلومات تذكر حول الرجل القوى بالشركة والذي يُخَوله
موقعه الوظيفي من الإطلاع على أعمال الشركة ومتابعة مشاريعها، ومن المؤكد أن إمتياز
نيميد الهام والذي تعمل عليه الشركة في شرق المتوسط هو أحد هذه المشاريع الكبرى المعني
بها، وكمدير لإدارة التخطيط وتطوير الأعمال بالشركة فإن مسئولية تطوير مشاريع الشركة
تقع على عاتق الإدارة التي يرأسها السيد كينيث فيشر ومقارنةً بأعمال الشركه في الخليج
المكسيكي، فإن ما تم إنجازه من تطوير بامتياز نيميد يُعَد سرابًا يتم خداع الشعب المصري
به وإلهائه عما يحاك ضده في الخفاء، فهل كان كينيث فيشر هو عراب تلك الصفقه المشبوهة،
وكانت مكافأته هي انتقاله لهذا الموقع الهام بشركة نوبل إنرجي التي استولت على النسبة
العظمى من أكبر احتياطي غاز في العالم تم اكتشافه حتى الآن في منطقة شرق المتوسط ؟
يبقى موقف الهيئة العامة البترول منذ إعلان شركة
شل عن انسحابها من امتياز نيميد وحتى الآن محيرًا ومقلقًا ومثيرًا للريبة، وكذلك هو
موقف الوزراء المتعاقبون على الوزارة، وعلى الرغم من النداءات المتكررة بضرورة البحث
في أحقية مصر في هذه الثروات إلا أن الغريب في الأمر أن وزير البترول المصري أثناء
زيارته الأخيرة لقبرص لم يلتفت إلى الخريطة التي وضحت عليها الحكومة القبرصية خط الغاز
المزمع إنشاؤه من حقل أفروديت إلى محطة إسالة الغاز بدمياط، والتي توضح أن المسافة من
الحقل إلى دمياط تبلغ 180كم، وبالتالي فالحقل أقرب للسواحل المصرية من السواحل القبرصية.



لكن تركيز السيد الوزير كان منصبًا على استيراد
الغاز بدلًا من البحث في حق مصر المسلوب في أضخم اكتشافات الطاقة في العصر الحديث فهل
ستنجح مصر في إسترداد حقها في الثروات الطبيعية التي استولى عليها قراصنة شرق المتوسط
الجدد.