والده كان شيخًا لـ«المرازقة الأحمدية» عن «الجمالية» وله رقم عضوية متقدم في «الطريقة»
كتاب عن «الرؤساء وأرباب الحقيقة» يكشف انتماء «السيسي» لـ«االجعفرية»
تربى على يد الشيخ إسماعيل صادق العدوي.. ويسمع «النقشبندي» ونصر الدين طوبار
هل كان يخدع «الإخوان المسلمين» حينما وقف– أكثر من مرة – يصلى المغرب خلف محمد مرسي في قصر الاتحادية؟
يضع عبدالفتاح السيسى على الحائط المواجه لمكتبه الآية «101» من سورة يوسف: «رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليى في الدنيا والآخرة توفنى مسلمًا وألحقنى بالصالحين». يخفى عن حياته أكثر مما يظهر، ويصنع جدارًا سميكًا يمنع الكشف عن علاقته مع الله، في فهم هذه العلاقة تفسير لكل ما ينادى به حول تجديد الخطاب الدينى، أو إحداث «ثورة دينية»، وإجابة وافية عن تساؤلات تشغل كثيرين حول الرجل الذي يكمل عامه الأولى في حكمنا غدًا. كان لافتًا منذ ظهوره على الساحة السياسية بـ«لمحته الدينية» لدرجة دفعت بعض «قاصرى النظر» لاتهامه بالانتماء إلى جماعة «الإخوان المسلمين». لا يخلو حديث له من ذكر الله، قسمًا أو طلبًا لـ«المدد». في مظهره متدين وسطى، يصلى، ويصوم، ويقرأ القرآن باستمرار، وفى جوهره «غارق في الصوفية». أقف هنا بالقرب من زاوية مبهمة في حياته، إنها «إسلام عبدالفتاح السيسى»، وطريقته الصوفية، وشيوخه.
كان والده الحاج سعيد، تاجر الأرابيسك والصدف بحى الجمالية، صاحب التأثير الأكبر في نشأته الدينية.
من الطابق الرابع في العقار رقم «٧» عطفة «البرقوقية» في محيط شارع المعز لدين الله الفاطمى بـ«الجمالية» كانت البداية.
اعتاد الاستيقاظ مبكرًا، للحاق بصلاة الفجر في مسجد «سيدى على الأتربي» المجاور لمنزله، وفق ما يرويه عدد ممن شهدوا «عبدالفتاح» طفلًا.
تجربته مع مسجد «أم الغلام» الواقع في المنطقة التي سكنها صغيرًا لعبت دورًا كبيرًا في «إسلامه»، فقد كان يذهب بشكل منتظم إلى الجامع، لحفظ القرآن الكريم.
أين كان والده في هذه المساحة؟
عُرف الحاج سعيد رجلًا متدينًا، محافظًا، غير متشدد، محبًا للموسيقى وسماع أغانى أم كلثوم، سخيًا وكريمًا ويراقب الله في كل تحركاته، فتعلم منه ابنه الإسلام على «الطريقة المصرية».
قبل أيام وقع بين يدى كتاب للزميل محمود رافع، مدير تحرير جريدة «الأخبار المسائية»، يحمل عنوان: «الرؤساء وأقطاب الحقيقة».
كتب «محمود» ١٠ أبواب عمن وصفهم بـ«أقطاب الحقيقة»، من لم يقفوا يومًا على «أبواب السلاطين»، بل كانوا هم من يسعون للوقوف على أبوابهم، و«التمرغ على أعتابهم»، والبكاء في رضوانهم.
أفرد الفصل الـ١١ من كتابه الواقع في ١٨٠ صفحة من القطع المتوسط، للحديث عن العلاقة بين الرؤساء و«أقطاب الحقيقة» من «أولياء الله الصالحين».
تحدث عن قصة جمال عبدالناصر مع السيدة زينب التي حضرت له في منامه قبل أيام من نكسة ٥ يونيو ٦٧ ترتدى ملابس سوداء فأيقن أن الأيام المقبلة ستكون أشد قسوة حتى كانت النكسة، وعن خلوة أنور السادات في السيد البدوى، وزياراته السرية إلى أضرحة أولياء الله الصالحين، وعن الشيخ السودانى الذي رأى في منامه محاولة اغتيال «مبارك» واضحة كما وقعت وكأنها مصورة على شاشة تليفزيون، فذهب إلى السفارة المصرية بالخرطوم التي أخبرت بدورها كل المسئولين، حتى وصل الخبر إلى عمر سليمان، الذي كان يشغل موقع رئيس المخابرات العامة آنذاك، ليأخذ من الاحتياطات ما يحمى حياة الرئيس في أديس أبابا.
كان مهم بالنسبة لى أن أصل إلى نهاية الفصل، أقصد إلى عبدالفتاح السيسى وأحواله مع الله، وأوليائه، فلا اهتم كثيرًا بشأن من رحلوا عن الحياة أو الحكم.
يبدأ «محمود» قصة «صوفية السيسي» من عند والده «الحاج سعيد»: «جاء الرئيس من البيت الأحمدى على أذكار القطب أحمد البدوى، فكان والده واحدًا من عباد الله الصالحين، وشيخًا مهابة في الطريقة المرازقة الأحمدية».
تحدث كثيرون عن تدين «والد السيسي» غير أن قصة انتمائه إلى طريقة المرازقة الأحمدية– إحدى الطرف الصوفية السنية المتفرعة عن الطريقة الأحمدية، التي تنسب إلى الشيخ أحمد البدوى، الذي بدأ نشر طريقته من طنطا في مصر، وتفرعت منها نحو ١٨ طريقة، منها المرازقة – كانت مفاجأة بالنسبة لى.
لم يكن «السيسى الأب» مجرد مريدًا في «المرازقة» بل كان شيخًا لها عن منطقة الجمالية بمصر القديمة، وهو أمر يعلمه كبار مشايخ الطرق الصوفية في مصر الآن، وإن لم يُفصحوا عن ذلك، مكتفين بالتأكيد على صوفية «السيسى الابن».
وضعت ما جاء في كتاب «الرؤساء وأقطاب الحقيقة» عن انتماء والد الرئيس لـ«الطريقة المرازقة الأحمدية» أمام عدد من شيوخ الصوفية في مصر، فأكد بعضهم صحة ما ذكر، مشيرين إلى أنها معلومة معروفة داخل الأوساط الصوفية من دون إعلان رسمي، غير أن أيا منهم رفض أن تنقل على لسانه بشكل شخصى.
عدت إلى محمود رافع مرة أخرى فأكد صحة ما نشره في كتابه، بل زاد: «الحاج سعيد كان له رقم عضوية متقدم في مشيخة المرازقة الأحمدية، ولا يزال موجودًا في دفاترها إلى الآن».
■ ■ ■
في حواره الأول بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدى، توقف «السيسي» أمام شيخان، الأول الشيخ إسماعيل صادق العدوى، والثانى الشيخ محمد متولى الشعراوى، غير أنه شدد على الدور الكبير للشيخ إسماعيل في حياته.
كان الشيخ إسماعيل صادق العدوى المتوفى في يناير من العام ١٩٩٨، إمامًا وخطيبًا للجامع الأزهر، قبل الشيخ محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الراحل، وقبلها إمامًا وخطيبًا لمسجد سيدى أحمد الدرديرى بحى الباطنية في القاهرة.
لدى الشيخ إسماعيل– الملقب بالشيخ المصارع لأنه حقق انتصارات عديدة في رياضة المصارعة الرومانية- المفتاح الأول لـ«إسلام عبدالفتاح السيسي»، فقد كان الرجل مالكى المذهب يفتى على المذاهب الأربعة، وكان قطبًا من أقطاب الصوفية في مصر، على «الطريقة الخلوتية»، عن والده الشيخ صادق العدوى، وعن شيخه عبداللطيف القتورى.
ومما يروى عنه أنه كان شديد الكشف الربانى، وموضع احترام وتقدير لدى كثير من زعماء الدول الإسلامية والعربية، وأنه كان يرج المنبر والقلوب من شدة خطبه وقتها، ولا شك أن «السيسي» قد استمع كثيرًا له.
ومن بين أبرز المشاهد في حياته خلعه من الجامع الأزهر وتولية الشيخ محمد سيد طنطاوى، فقد كان يفسر قوله تعالى: «ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون»، في درس التفسير الذي كان يلقيه كل يوم اثنين، وكان ذلك مساء يوم الاستفتاء على تجديد فترة ولاية «مبارك» الثالثة.
أراد الرجل أن يتحدث في الموضوع ولو تعريضًا، لكن الآية التي يفسرها لا تمت من قريب أو بعيد بالسياسة، فاحتال بقوله: «كنت أركب القطار مع فضيلة الشيخ البنا رحمه الله، وجاءت محطة وصولنا، فقال لى الشيخ البنا: يا شيخ إسماعيل، القطار والسفر كالحياة والموت والمناصب، إذا جاءت محطتك لا بد من نزولك، ثم أخذ يركز ويشدد ويعيد ويكرر على هذا المعنى بهذه العبارة، قائلا باللغة العامية: «يعنى إذا جت محطتك انزل، كفاية علينا كده انزل، خلاص محطتك جت انزل، ولا عايز تركب محطتك ومحطة غيرك»، وقد ضج المسجد بعد أن وصل المعنى الذي يريده الشيخ، ومن هنا عاد إلى منزله بعد أن وشى به البعض.
لعب الشيخ إسماعيل دورًا مهمًا في حياة «السيسي»، فقد كان حريصًا على الاستماع لخطبه، وبرامجه، ويمكن أن نقول إنها شكلت الوعى الدينى له ونفس الأمر– وإن كان بدرجة أقل – بالنسبة للشيخ الشعراوى.
هل يخفى السيسى شيئًا؟
إلى هذه المنطقة دخل الكاتب الصحفى محمد الباز، أكثر من مرة أقصد إلى «صوفية الرئيس»، أو إلى «الله في حياة السيسي» بشكل عام.
هو لا يستطيع الجزم بأن «السيسي» أخذ العهد عن شيخ بعينه، أو أنه يتبع طريقة صوفية بعينها، لكنه يرى في أداء الرئيس ما يؤكد أنه فعلها من دون إفصاح، فمن حقه وحده أن يفصح عن طريقته، ومن حقه أيضًا أن يقول لنا إنه ليس مريدًا لأحد، فهو في طريق وحده.
كان لكتاب «الرؤساء وأرباب الحقيقة» جولة مع «صوفية الرئيس» أيضًا، حيث يكشف عن انتماء الرئيس لـ«الطريقة الجعفرية»، وهى إحدى الطرق الصوفية المنبثقة عن الطريقة الأحمدية، وتتمركز بشكل أساسى في مصر والسودان، ويعد الشيخ على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق أبرز المنتمين إليها في مصر.
لا أستطيع التأكيد بشكل كامل على انتماء «السيسي» لـ«الطريقة الجعفرية»، هو لم يفصح عن الأمر، أو ربما لم يُسأل عنه بالأساس، وإن كنت متأكدًا بشكل كامل من كونه صوفيًا.
مجددًا عدت إلى محمود رافع، فذكر أن الرئيس بالفعل «جعفرى الطريقة»، وله لقاءات خاصة مع مشايخها، ومنصت جيد لهم ولكبار مشايخ الصوفية.
هو يربط بين صوفية والده على الطريقة «المرازقة»، وصوفية شيخه إسماعيل العدوى على الطريقة «الخلوتية»، ليصل إلى نقطة أن «السيسى صوفى على الطريقة الجعفرية».
■ ■ ■
في المساحة الدينية لدى عبدالفتاح السيسى، مجموعة من الأسرار التي اختفت تحت سطو السياسة، وقوة المواجهة مع «الإخوان المسلمين» بعد «٣٠ يونيو».
هو يحب الاستماع إلى تلاوة القرآن بصوت الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ الطبلاوى، ويرتبط من المنشدين بالشيخين سيد النقشبندى والشيخ نصر الدين طوبار.
حينما سئل «السيسي» في حوار أجرته معه صحيفة «الأهرام» بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية: «أي دعاء تردده في السجود؟»، أجاب: «اللهم اجعلنى من أهل الله».
ومما يذكر عن الرجل أنه يحفظ القرآن، وعددا هائلا من الأحاديث النبوية، ويحرص على «تدين أسرته» جوهرًا ومظهرًا، فزوجته السيدة انتصار عامر، وابنته «آية» محجبتان.
هل نجيب عن السؤال الذي طرحناه في البداية؟
لم يخدع «السيسى» محمد مرسي، لقد خدع الإخوان المسلمين أنفسهم فيه، ظنوا أن تدينه يمنعه من الوقوف أمامهم، ولم يفهموا أن إسلامه غير «إسلام الجماعات».
بالمناسبة تحرك ضد «الإخوان المسلمين» من منطلق دينى أيضًا وليس سياسيًا أو أمنيًا فقط، ففى «إسلامه» هم يهددون الدين والدولة معًا، ومن هنا كان صادقًا حينما قال إنه سيقف أمام الله ليحاجج الجماعة من دون أي خوف.
النسخة الورقية
كتاب عن «الرؤساء وأرباب الحقيقة» يكشف انتماء «السيسي» لـ«االجعفرية»
تربى على يد الشيخ إسماعيل صادق العدوي.. ويسمع «النقشبندي» ونصر الدين طوبار
هل كان يخدع «الإخوان المسلمين» حينما وقف– أكثر من مرة – يصلى المغرب خلف محمد مرسي في قصر الاتحادية؟
يضع عبدالفتاح السيسى على الحائط المواجه لمكتبه الآية «101» من سورة يوسف: «رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليى في الدنيا والآخرة توفنى مسلمًا وألحقنى بالصالحين». يخفى عن حياته أكثر مما يظهر، ويصنع جدارًا سميكًا يمنع الكشف عن علاقته مع الله، في فهم هذه العلاقة تفسير لكل ما ينادى به حول تجديد الخطاب الدينى، أو إحداث «ثورة دينية»، وإجابة وافية عن تساؤلات تشغل كثيرين حول الرجل الذي يكمل عامه الأولى في حكمنا غدًا. كان لافتًا منذ ظهوره على الساحة السياسية بـ«لمحته الدينية» لدرجة دفعت بعض «قاصرى النظر» لاتهامه بالانتماء إلى جماعة «الإخوان المسلمين». لا يخلو حديث له من ذكر الله، قسمًا أو طلبًا لـ«المدد». في مظهره متدين وسطى، يصلى، ويصوم، ويقرأ القرآن باستمرار، وفى جوهره «غارق في الصوفية». أقف هنا بالقرب من زاوية مبهمة في حياته، إنها «إسلام عبدالفتاح السيسى»، وطريقته الصوفية، وشيوخه.
كان والده الحاج سعيد، تاجر الأرابيسك والصدف بحى الجمالية، صاحب التأثير الأكبر في نشأته الدينية.
من الطابق الرابع في العقار رقم «٧» عطفة «البرقوقية» في محيط شارع المعز لدين الله الفاطمى بـ«الجمالية» كانت البداية.
اعتاد الاستيقاظ مبكرًا، للحاق بصلاة الفجر في مسجد «سيدى على الأتربي» المجاور لمنزله، وفق ما يرويه عدد ممن شهدوا «عبدالفتاح» طفلًا.
تجربته مع مسجد «أم الغلام» الواقع في المنطقة التي سكنها صغيرًا لعبت دورًا كبيرًا في «إسلامه»، فقد كان يذهب بشكل منتظم إلى الجامع، لحفظ القرآن الكريم.
أين كان والده في هذه المساحة؟
عُرف الحاج سعيد رجلًا متدينًا، محافظًا، غير متشدد، محبًا للموسيقى وسماع أغانى أم كلثوم، سخيًا وكريمًا ويراقب الله في كل تحركاته، فتعلم منه ابنه الإسلام على «الطريقة المصرية».
قبل أيام وقع بين يدى كتاب للزميل محمود رافع، مدير تحرير جريدة «الأخبار المسائية»، يحمل عنوان: «الرؤساء وأقطاب الحقيقة».
كتب «محمود» ١٠ أبواب عمن وصفهم بـ«أقطاب الحقيقة»، من لم يقفوا يومًا على «أبواب السلاطين»، بل كانوا هم من يسعون للوقوف على أبوابهم، و«التمرغ على أعتابهم»، والبكاء في رضوانهم.
أفرد الفصل الـ١١ من كتابه الواقع في ١٨٠ صفحة من القطع المتوسط، للحديث عن العلاقة بين الرؤساء و«أقطاب الحقيقة» من «أولياء الله الصالحين».
تحدث عن قصة جمال عبدالناصر مع السيدة زينب التي حضرت له في منامه قبل أيام من نكسة ٥ يونيو ٦٧ ترتدى ملابس سوداء فأيقن أن الأيام المقبلة ستكون أشد قسوة حتى كانت النكسة، وعن خلوة أنور السادات في السيد البدوى، وزياراته السرية إلى أضرحة أولياء الله الصالحين، وعن الشيخ السودانى الذي رأى في منامه محاولة اغتيال «مبارك» واضحة كما وقعت وكأنها مصورة على شاشة تليفزيون، فذهب إلى السفارة المصرية بالخرطوم التي أخبرت بدورها كل المسئولين، حتى وصل الخبر إلى عمر سليمان، الذي كان يشغل موقع رئيس المخابرات العامة آنذاك، ليأخذ من الاحتياطات ما يحمى حياة الرئيس في أديس أبابا.
كان مهم بالنسبة لى أن أصل إلى نهاية الفصل، أقصد إلى عبدالفتاح السيسى وأحواله مع الله، وأوليائه، فلا اهتم كثيرًا بشأن من رحلوا عن الحياة أو الحكم.
يبدأ «محمود» قصة «صوفية السيسي» من عند والده «الحاج سعيد»: «جاء الرئيس من البيت الأحمدى على أذكار القطب أحمد البدوى، فكان والده واحدًا من عباد الله الصالحين، وشيخًا مهابة في الطريقة المرازقة الأحمدية».
تحدث كثيرون عن تدين «والد السيسي» غير أن قصة انتمائه إلى طريقة المرازقة الأحمدية– إحدى الطرف الصوفية السنية المتفرعة عن الطريقة الأحمدية، التي تنسب إلى الشيخ أحمد البدوى، الذي بدأ نشر طريقته من طنطا في مصر، وتفرعت منها نحو ١٨ طريقة، منها المرازقة – كانت مفاجأة بالنسبة لى.
لم يكن «السيسى الأب» مجرد مريدًا في «المرازقة» بل كان شيخًا لها عن منطقة الجمالية بمصر القديمة، وهو أمر يعلمه كبار مشايخ الطرق الصوفية في مصر الآن، وإن لم يُفصحوا عن ذلك، مكتفين بالتأكيد على صوفية «السيسى الابن».
وضعت ما جاء في كتاب «الرؤساء وأقطاب الحقيقة» عن انتماء والد الرئيس لـ«الطريقة المرازقة الأحمدية» أمام عدد من شيوخ الصوفية في مصر، فأكد بعضهم صحة ما ذكر، مشيرين إلى أنها معلومة معروفة داخل الأوساط الصوفية من دون إعلان رسمي، غير أن أيا منهم رفض أن تنقل على لسانه بشكل شخصى.
عدت إلى محمود رافع مرة أخرى فأكد صحة ما نشره في كتابه، بل زاد: «الحاج سعيد كان له رقم عضوية متقدم في مشيخة المرازقة الأحمدية، ولا يزال موجودًا في دفاترها إلى الآن».
■ ■ ■
في حواره الأول بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدى، توقف «السيسي» أمام شيخان، الأول الشيخ إسماعيل صادق العدوى، والثانى الشيخ محمد متولى الشعراوى، غير أنه شدد على الدور الكبير للشيخ إسماعيل في حياته.
كان الشيخ إسماعيل صادق العدوى المتوفى في يناير من العام ١٩٩٨، إمامًا وخطيبًا للجامع الأزهر، قبل الشيخ محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الراحل، وقبلها إمامًا وخطيبًا لمسجد سيدى أحمد الدرديرى بحى الباطنية في القاهرة.
لدى الشيخ إسماعيل– الملقب بالشيخ المصارع لأنه حقق انتصارات عديدة في رياضة المصارعة الرومانية- المفتاح الأول لـ«إسلام عبدالفتاح السيسي»، فقد كان الرجل مالكى المذهب يفتى على المذاهب الأربعة، وكان قطبًا من أقطاب الصوفية في مصر، على «الطريقة الخلوتية»، عن والده الشيخ صادق العدوى، وعن شيخه عبداللطيف القتورى.
ومما يروى عنه أنه كان شديد الكشف الربانى، وموضع احترام وتقدير لدى كثير من زعماء الدول الإسلامية والعربية، وأنه كان يرج المنبر والقلوب من شدة خطبه وقتها، ولا شك أن «السيسي» قد استمع كثيرًا له.
ومن بين أبرز المشاهد في حياته خلعه من الجامع الأزهر وتولية الشيخ محمد سيد طنطاوى، فقد كان يفسر قوله تعالى: «ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون»، في درس التفسير الذي كان يلقيه كل يوم اثنين، وكان ذلك مساء يوم الاستفتاء على تجديد فترة ولاية «مبارك» الثالثة.
أراد الرجل أن يتحدث في الموضوع ولو تعريضًا، لكن الآية التي يفسرها لا تمت من قريب أو بعيد بالسياسة، فاحتال بقوله: «كنت أركب القطار مع فضيلة الشيخ البنا رحمه الله، وجاءت محطة وصولنا، فقال لى الشيخ البنا: يا شيخ إسماعيل، القطار والسفر كالحياة والموت والمناصب، إذا جاءت محطتك لا بد من نزولك، ثم أخذ يركز ويشدد ويعيد ويكرر على هذا المعنى بهذه العبارة، قائلا باللغة العامية: «يعنى إذا جت محطتك انزل، كفاية علينا كده انزل، خلاص محطتك جت انزل، ولا عايز تركب محطتك ومحطة غيرك»، وقد ضج المسجد بعد أن وصل المعنى الذي يريده الشيخ، ومن هنا عاد إلى منزله بعد أن وشى به البعض.
لعب الشيخ إسماعيل دورًا مهمًا في حياة «السيسي»، فقد كان حريصًا على الاستماع لخطبه، وبرامجه، ويمكن أن نقول إنها شكلت الوعى الدينى له ونفس الأمر– وإن كان بدرجة أقل – بالنسبة للشيخ الشعراوى.
هل يخفى السيسى شيئًا؟
إلى هذه المنطقة دخل الكاتب الصحفى محمد الباز، أكثر من مرة أقصد إلى «صوفية الرئيس»، أو إلى «الله في حياة السيسي» بشكل عام.
هو لا يستطيع الجزم بأن «السيسي» أخذ العهد عن شيخ بعينه، أو أنه يتبع طريقة صوفية بعينها، لكنه يرى في أداء الرئيس ما يؤكد أنه فعلها من دون إفصاح، فمن حقه وحده أن يفصح عن طريقته، ومن حقه أيضًا أن يقول لنا إنه ليس مريدًا لأحد، فهو في طريق وحده.
كان لكتاب «الرؤساء وأرباب الحقيقة» جولة مع «صوفية الرئيس» أيضًا، حيث يكشف عن انتماء الرئيس لـ«الطريقة الجعفرية»، وهى إحدى الطرق الصوفية المنبثقة عن الطريقة الأحمدية، وتتمركز بشكل أساسى في مصر والسودان، ويعد الشيخ على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق أبرز المنتمين إليها في مصر.
لا أستطيع التأكيد بشكل كامل على انتماء «السيسي» لـ«الطريقة الجعفرية»، هو لم يفصح عن الأمر، أو ربما لم يُسأل عنه بالأساس، وإن كنت متأكدًا بشكل كامل من كونه صوفيًا.
مجددًا عدت إلى محمود رافع، فذكر أن الرئيس بالفعل «جعفرى الطريقة»، وله لقاءات خاصة مع مشايخها، ومنصت جيد لهم ولكبار مشايخ الصوفية.
هو يربط بين صوفية والده على الطريقة «المرازقة»، وصوفية شيخه إسماعيل العدوى على الطريقة «الخلوتية»، ليصل إلى نقطة أن «السيسى صوفى على الطريقة الجعفرية».
■ ■ ■
في المساحة الدينية لدى عبدالفتاح السيسى، مجموعة من الأسرار التي اختفت تحت سطو السياسة، وقوة المواجهة مع «الإخوان المسلمين» بعد «٣٠ يونيو».
هو يحب الاستماع إلى تلاوة القرآن بصوت الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ الطبلاوى، ويرتبط من المنشدين بالشيخين سيد النقشبندى والشيخ نصر الدين طوبار.
حينما سئل «السيسي» في حوار أجرته معه صحيفة «الأهرام» بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية: «أي دعاء تردده في السجود؟»، أجاب: «اللهم اجعلنى من أهل الله».
ومما يذكر عن الرجل أنه يحفظ القرآن، وعددا هائلا من الأحاديث النبوية، ويحرص على «تدين أسرته» جوهرًا ومظهرًا، فزوجته السيدة انتصار عامر، وابنته «آية» محجبتان.
هل نجيب عن السؤال الذي طرحناه في البداية؟
لم يخدع «السيسى» محمد مرسي، لقد خدع الإخوان المسلمين أنفسهم فيه، ظنوا أن تدينه يمنعه من الوقوف أمامهم، ولم يفهموا أن إسلامه غير «إسلام الجماعات».
بالمناسبة تحرك ضد «الإخوان المسلمين» من منطلق دينى أيضًا وليس سياسيًا أو أمنيًا فقط، ففى «إسلامه» هم يهددون الدين والدولة معًا، ومن هنا كان صادقًا حينما قال إنه سيقف أمام الله ليحاجج الجماعة من دون أي خوف.
النسخة الورقية