أسمع عن فيلم «أوضة الفيران» منذ سنة تقريبًا، عندما كان مجرد فكرة مجنونة في عقول صناعه، وحتى الانتهاء منه وعرضه في مهرجانات دولية عدة من «دبى» في آسيا، وحتى ساوباولو في البرازيل.
من الغريب- ولكن غير الغريب في مصر- أن اضطر إلى الانتظار حتى أسافر إلى ألمانيا لأشاهد الفيلم في مهرجان برلين للفيلم العربى، الذي عرض خلاله «أوضة الفيران» في البرنامج الرسمى مع فيلمين مصريين آخرين هما «ديكور» للمخرج أحمد عبد الله و«لا مؤاخذة» للمخرج عمرو سلامة.
لعلك لاحظت أن الأفلام الثلاثة التي اختارها المهرجان تنتمى إلى السينما المستقلة في مصر، وهى ملحوظة باتت مكررة في السنوات الأخيرة، حيث فقدت السينما التجارية ونجومها معظم، إن لم يكن كل، نفوذها ولم تعد تؤثر سوى في الجمهور المحلى الشعبى.
المهرجانات الدولية باتت متعطشة للجديد، وغير التقليدى، على مستوى الموضوعات والأفكار والأساليب الفنية، حتى لو كانت بعض هذه التجارب غير مكتملة فنيًا أو تعانى من ضعف الماديات والإمكانيات. وهذه السمات تنطبق على الأفلام الثلاثة المختارة، ولا تنطبق بالطبع على معظم الإنتاج السينمائى السائد في مصر الذي بات محصورًا في أنواع فنية وموضوعات تجارية محلية تمامًا.
خذ عندك مثلا فيلم «أوضة الفيران» لتعرف ما أقصده.
الفيلم قام بصنعه ستة مخرجين ومخرجات شباب من الإسكندرية، معظمهم تعلموا السينما في ورشة «الجيزويت» التي تخرج فيها عشرات السينمائيين في السنوات العشر الماضية، أو في ورش أخرى، إضافة إلى التعلم من التجربة والعمل.
هؤلاء المخرجون الستة هم: أحمد مجدى مرسي، محمد الحديدى، محمد زيدان، ميّ زايد، نرمين سالم وهند بكر. أما الممثلون فمعظمهم هواة وأشهرهم نجمة السينما المستقلة حنان يوسف، ومعها زياد سالم، نهاد يحيى، كمال إسماعيل، نورا سعفان والطفلة ملك مجدى وبعض الهواة الآخرين.
فكرة الفيلم نبتت في أذهان صناعه عندما طلب منهم عمل أفلام قصيرة، وبعد أن بدءوا في الكتابة قرروا أن يدمجوا القصص والأفلام الستة في فيلم واحد، ووضعوا لأنفسهم بعض الشروط، منها أن يتم كل شيء في الفيلم من الكتابة وحتى المونتاج النهائى ثم البوستر بموافقة الكل، وليس الأغلبية، أي ينبغى أن يوافق الجميع على كل قرار كبير أو صغير يتعلق بالفيلم.
الفيلم، كما قلت، عبارة عن ستة أفلام قصيرة تتناول ست قصص وستة أساليب فنية تم دمجها داخل فيلم واحد. معظمها قصص إنسانية بسيطة: سيدة يموت زوجها فتصاب بأرق مزمن يمنعها من النوم. شاب يوشك أبوه على الموت فيبدأ في التقرب منه. فتاة ليلة زفافها تنتابها مخاوف غير مفهومة من الزواج. طفلة ضعيفة النظر لا تفكر سوى في اللعب والهرب من جدتها التي تعمل معلمة قرآن وداعية. فتاة تستعد للهجرة تفاجأ بوجود فتاة تشبهها تمامًا في الشارع.
الفكرة العامة التي تجمع القصص الست هي الخوف، ولكن الدمج بين القصص قد يبدو غريبًا وغير مبرر للبعض، خاصة أن الأزمنة التي تستغرقها الأحداث متفاوتة، فهناك قصة تستغرق يوما واحدا، وأخرى تستغرق أسابيع، والمونتاج المتوازى باستمرار بين القصص ليس له منطق زمنى أو درامى أو بصرى في كثير من الأحيان.
برغم هذا العيب، وبعض الملاحظات الأخرى مثل جمل الحوار الإنشائى المفتعل أحيانًا، إلا أن الفيلم به روح إنسانية رقيقة وراقية، وجدية تثبت أن أجيال الشباب لديهم الرغبة والقدرة على تجديد دماء السينما المصرية...لو منحوا الفرصة.
«أوضة الفيران» واحد من محاولات عدة يقوم بها السينمائيون الشباب للخروج من عنق زجاجة السينما المصرية السائدة، الشائخة، التي انتهى عمرها الافتراضى منذ سنوات طويلة ولكنها لم تزل تجثم فوق عقول الجمهور وأنفاس الأجيال الشابة
من النسخة الورقية