مقدمة
- لم يكن قرار الرئيس
الامريكي باراك أوباما بإنهاء تعليق المساعدات الأمريكية لبلاده إلى مصر مفاجئا
لمتابعي تطور العلاقات المصرية الأمريكية في الشهور الماضية، فقد أخبر بهذا
التحول في السياسة الأمريكية تجاه مصر الكثير من المسئولين الأمريكيين الذين زاروا
مصر في الأشهر القليلة الماضية.
سواء من
الإدارة الأمريكية أمثال وزير الخارجية جون كيري أو من رجال الكونجرس، حيث أكد
الجميع على قرب إنهاء تجميد المساعدات العسكرية لمصر بعد ان تبين للإدارة
الأمريكية والكونجرس مدى حرص وتصميم النظام الجديد في مصر الذي نتج عنه ثورة 30
يونية على محاربة الإرهاب وقطع دابره في سيناء، وما تبذله مصر من جهد من أجل
تحقيق هذا الهدف.
حيث تستنفذ قدراتها السياسية
والعسكرية في هذا السبيل، وهو ما يفرض على الولايات المتحدة أن تدعم مصر لأنه يتفق
ومتطلبات السياسة الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب على مستوى العالم، وأنه
من العار على الإدارة الأمريكية التي يرأسها أوباما أن تستمر في تجميد صفقات أسلحة
متفق عليها بين البلدين، بل ومدفوع ثمنها منذ عام 2010، لاسيما وأنها تتضمن
أنظمة تسليح تعتبر حيوية في قتال العناصر الإرهابية.
مثل المروحيات أباتشي، وهى التي أفرجت الإدارة عن عشر طائرات منها منذ عدة شهور بعد أن ازدادت الانتقادات
والضغوط التي مارسها الكونجرس ضد أوباما بسبب انحيازه لجماعة الإخوان التي ما فتئت
تطالب بإيقاف تعاملها مع الرئيس السيسي، بل والضغط عليه من خلال وقف المساعدات
العسكرية والاقتصادية لمصر، بل ومنع أمدا الجيش المصري باحتياجاته الأساسية من
قطع الغيار والذخائر وغمرت الطائرات والسفن الحربية حتى يتصالح مع الأخوان ويشركهم
في الحكم، وهو ما استجاب له أوباما طوال عامي 2013،2014 حتى تبين له وتأكد من فشل
رهانه الخاسر على جماعة الإخوان ورفض مصر شعبا وحكومة وجيشا فكرة التصالح مع
الإخوان بل وأيضا فشل رهانه في الاعتماد على المساعدات العسكرية كوسيلة للضغط على
السيسي لتغير موقفه، والاستجابة للمطالب الأمريكية.
حيث نجح السيسي في الحصول على بدائل تمثلت
في مساعدات عربية وصفقات سلاح أبرمها مع روسيا وفرنسا والصين جعلته يستغنى إلى حد
ما عن المساعدات الأمريكية، بل ويتحدى ويقاوم الضغوط الأمريكية عليه، ثم جاء
نجاح المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي عقد في منتصف مارس الماضي، وما ظهر فيه من
مساندة معظم دول العالم لمصر في موقفها من محاربة الإرهاب، والرغبة في مساعدتها
على تخطي أزمتها الاقتصادية، وما تلى ذلك من نجاح القمة العربية السادية والعشرين
التي عقدت مباشرة في شرم الشيخ عقب المؤتمر الاقتصادي في إثبات دور مصر الفاعل في
العمل العربي، خاصة فيما يتعلق بالحرب في اليمن أو في موافقة معظم الدول العربية
على الاقتراح المصري بإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة التهديدات التي يتعرض
لها الأمن القومي العربي، لاسيما من قبل المنظمات الإرهابية وأيضا إيران، ناهيك
عن دور مصر في تفشيل المخططات الأمريكية بشأن الشرق أوسط الجديد، فرغم نجاح هذه
المخططات في بلدان عربية أخرى، مثل العراق وسوريا ولبنان وليبيا والصومال واليمن
تمزقت عرقيا وسياسيا، دعمتها أعمال العنف والفوضى والتي وصلت إلى حد الحرب
الأهلية، إلا أنها استعصت على مصر بسبب قوة تماسك جيشها وشعبها خلف قيادة الرئيس
السيسي، وهو الوضع الذي يفرض على أمريكا حسن التعامل مع مصر ونظام حكم السيسي حرصا
على المصالح الأمريكية في المنطقة، فليس من السهل معاداة دولة ذات ثقل أقليمي مثل
مصر.
قصة المساعدات الأمريكية لمصر
- من المعروف أن المساعدات
العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر جزء من عملية السلام التي تمت مع إسرائيل
وبرعاية أمريكية وانتهت بالانسحاب من سيناء نهائيا في أبريل 1982 وذلك بقيمة
1.3مليار دولار عسكرية سنويا، وقد بدأت قصة المساعدات الأمريكية في عام 1975 بصدور قانون المساعدات الخارجية، وكان نصيب مصر منه 250 مليون دولار بعد أن أعيدت
العلاقات بين البلدين رسميا، وفي عام 1979 اعتمدت المعونة العسكرية لأول مرة، ثم
توسعت مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأصبحت مصر ثاني أكبر دولة تستفيد من
المساعدات العسكرية الامريكية بعد إسرائيل، وقد استتبع ذلك في عام 1980 بداية
مناورات "النجم الساطع" التي اشتركت فيها القوات المسلحة المصرية مع الإمريكية، وذلك في الفترة بين أغسطس وأكتوبر كل عامين منذ عام 1983.
وقد شهد عقد الثمانينات ذروة
المعونة الأمريكية التي بلغت 2.1مليار دولار منها 1.3مليار معونة عسكرية،
و800مليون دولار معونة اقتصادية. وعندما شرعت الولايات المتحدة في 1999 في تقليص
برنامجها للمعونات، تقلصت المعونة الاقتصادية لتصبح 250مليون دولار بدلا من 800مليون، بينما بقيت المعونة العسكرية ثابتة تقريبا، ثم استمر تقديم المعونة
العسكرية بقيمة 1.3مليار دولار، وكان ترتيب مصر خامسا في ميزانية المعونات
الخارجية الأمريكية بمبلغ 1.563مليار دولار، وذلك طوال الفترة من عام 2002حتى عام 2010، وكانت إدارة أوباما في هذا العام قد اعتمدت سياسة أقل حدة بعد أن أشاد أوباما بدور مصر في المنطقة ونص على منحها 1.55مليار دولار منها 1.3 مساعدات
عسكرية ولكن بعد قيام ثورة 25يناير 2011 أعلن عن إلغاء مناورة "النجم الساطع"
في ضوء التطورات والوضع الانتقالي الذي مرت به مصر في هذه الثورة، وعندما اعتقلت
السلطات المصرية 12 أمريكيا في عام 2012 وعدد آخر من المصريين العاملين في مكاتب
المنظمات الحقوقية الأمريكية غير الحكومية في مصر، أوقفت واشنطن تنفيذ صفقات
الأسلحة المتعاقد عليها ومدفوع ثمنها وتشمل 12مفاعلة ف16، 125دبابة ابرامز، 12
مروحية أباتشي، و20صاروخ هاربون،125مجموعة قطع غيار لأنظمة تسليح أمريكية
تستخدمها القوات المصرية، وفي ذلك قال أعضاء في لجنة القوات المسلحة بـ"مجلس الشيوخ
الأمريكي" إن المعونة العسكرية الأمريكية السنوية لمصر "في خطر حقيقي بسبب
تحرش السلطات المصرية بالمنظمات الحقوقية الأمريكية غير الحكومية في مصر"
وخلال عام 2013 وبعد سقوط نظام حكم الأخوان في مصر أوقفت واشنطن تسليم المروحيات
الأباتشي وعدد 12 طائرة رغم شدة حاجة القوات المصرية لهذه الطائرات في محاربة المنظمات الإرهابية في سيناء، وبعد ضغوط كثيرة أفرجت عنهم في عام 2014.
بداية الضغوط الأمريكية على مصر
وفي يونيو هذا العام وفي إطار ممارسة أمريكا ضغوطا على نظام حكم الرئيس السيسي الذي برز عقب الثورة
الشعبية التي وقعت في 30يونيو، قدم مجلس الشيوخ الأمريكي مقترحها لخفض المعونة
العسكرية لمصر من 1.3مليار دولار سنويا إلى مليا دولار فقط، وأوقفت الإدارة الأمريكية توريد 4 مقاتلات فـ16 كان متفقا عليها ومدفوع ثمنها، وقد أرسلت شركة
لوكهيد المنتجة للمقتلات فـ16 خطابا إلى البنتاجون تهدد فيه بتسريح آلاف العمال أن
لم يتم تنفيذ الصفقة وحصول الشركة على مستحقاتها، وقد تكرر نفس الأمر مع شركة
جنرال ديناميكي المنتجة للدبابات (ابرامز م-1) وفي أبريل 2015 أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أبلغ الرئيس السيسي في اتصال هاتفي بقراره رفع الحظر عن توريد الأسلحة لمصر، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد أمدت مصر خلال
الفترة من 1984 وحتى 2011 بما قيمته 71.6 مليار دولار من المساعدات متعددة الأوجه
(تشمل الحصول على انظمة تسليح وذخائر وقطع الغيار الخاصة بها، وإجراء عمرات
وأعمال صيانة وإصلاح لهذه الأسلحة، والتدريب والبعثات.. الخ)
- وتتلقى مصر معظم تمويلات
المعونة العسكرية الأمريكية من ثلاث حسابات: الأول:
صندوق
التمويل العسكري الأجنبي المعروف بـFMF ،
والثاني: صناديق دعم الاقتصاد SF ، والثالث: المشروع
الدولي للتعليم والتدريبIMET ، وفي المقابل تقدم
مصر تسهيلات للقوات الأمريكية في مجال عبور الأجواء المصرية .
ورغم إيجابية القرار
الأمريكي برفع الحظر المفروض على تصدير السلاح لمصر، واستئناف تقديم المساعدات
العسكرية، إلا أنه لم يخل من ضغوط على مصر، برزت في حديث أوباما عن الإفراج عن
المساجين، وإيقاف ما أطلق عليه "أحكام الإعدام الجماعية"، وإلغاء
قانون التظاهر، والإفراج عن المعتقلين من شباب 6 أبريل الذين تتبناهم أمريكا بعد
أن انفقت قرابة 3مليار دولار على تدريبهم وإعدادهم لتغيير نظام الحكم في مصر
وتسليم السلطة إلى البرادعي والإخوان المسلمين، وقال البيت الأبيض عقب قرار
استئناف المساعدات العسكرية لمصر: "إنه لن يصدر شهادة أن مصر حققت تقدما نحو
الديمقراطية، ولكن بدلا عن ذلك ترى الولايات المتحدة أن تقديم المساعدات يصب في
مصلحة الأمن القومي الأمريكي" .
التناقضات في الموقف الأمريكي من المساعدات لمصر
ومن التناقضات التي برزت في
هذا القرار الأمريكي ما ذكره أوباما من أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدات أمنية
مشروطة لمصر اعتبارا من العام المالي 2018، وستخصص لأربعة فئات وهى: مكافحة
الإرهاب، وأمن الحدود، وأمن سيناء، والأمن البحري، وصيانة الأنظمة العسكرية
الموجودة بالترسانة المصرية، موضحا أن تلك المساعدات وغيرها من الخطوات ستساعد في
رفع مستوى المساعدات العسكرية الإمريكية لتكون في وضع أفضل لمعالجة التحديات التي
تواجه مصالح مصر والولايات المتحدة في المنطقة التي تواجه عدم استقرار، وتمشيا مع
الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين البلدين، وهو ما يعني في المحصلة النهائية أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تفرض شروطا لاستئناف هذه المساعدات، تشتمل إصلاحات
سياسية، وهو ما عبر عنه أوباما في حديثه مع السيسي عندما أشار خلال المكالمة عن
قلق بلاده "إزاء سجن ناشطين سلمين والمحاكمات الجماعية، داعيا إلى احترام
حرية التعبير والتجمع."
- وفضلا عما تعنيه هذه
الانتقادات الأمريكية لمصر بشأن حقوق الإنسان من تدخل في شئونها الداخلية، فان
واشنطن أقرنت رفعها الحظر على تقديم المساعدات العسكرية لمصر، بعدم السماح لها
بشراء المعدات العسكرية بنظام الائتمان، وتعديل قواعد صرف هذه المساعدات اعتبارا
من عام 2018 لفرض دور أكبر للإدارة الأمريكية في تحديد نوعية الأسلحة المشمولة
ببرنامج المساعدات، وذلك بوقف استخدام آلية التمويل النقدي للمعدات العسكرية التي
تسمح لمصر بشراء المعدات والأسلحة التي تراها مناسبة لأولوياتها اعتمادا على
التدفق المتوقع للمساعدات ومن ثم فانه اعتبارا من عام 2018 وبعد تمزيق واشنطن
(بطاقة الائتمان) الخاصة بمصر لدى الولايات المتحدة لن تكون مصر مؤهلة للحصول على
تمويل الاعتمادات النقدية، وهى الآلية التي تسمح لواشنطن بتخصيص مئات الملايين من
الدولارات لطلبات المعدات العسكرية الأمريكية (تحت الصنع) في ظل افتراض أن
الكونجرس سيواصل تخفيض نحو 1.3مليار دولار مساعدات عسكرية سنوية
.
وتعقيبا على هذا التغيير في
الموقف الأمريكي من المساعدات العسكرية لمصر ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن
"هذا التغير سيجعل من الأسهل على الحكومة الأمريكية في المستقبل الوقف أو
الحد أو إشراط المساعدات إذا اختارت ذلك"، وأوضحت الصحيفة أنه "بداية
من عام 2018 سيكون المسئولون الأمريكيون قادرين أيضا على ممارسة قدر أكبر من
السيطرة على نوعية السلاح الذي ستحصل عليه مصر بما يسمح للولايات المتحدة بتركيز
مساعداتها على قدرات مكافحة الإرهاب، والاستثمارات في مجال الأمن البحري
والحدود"، وقد أرجعت الصحيفة هذا التغيير إلى "انعدام الانضباط موقف
الولايات المتحدة إزاء مصر منذ عام 2001، وما تلاه من ارتداد البلاد إلى الاستبداد، ما يزيد من عدم احتمالية تأثير هذه الانتقادات المتعلقة بحقوق الانسان"، وأضافت النيويورك تايمز أن "لدى إدارة أوباما أسبابا قوية تدفعها للإبقاء على
تحالف وثيق مع مصر، لما يوفره ذلك من دور السفن الحربية الأمريكية عبر قناة
السويس، فضلا عن السماح بتحليق الطائرات الأمريكية الحربية بحرية داخل المجال الجوي
المصري" على حد قولها، وقد حددت الصحيفة مغزى التغيير في نظام حصول مصر على
المساعدات الأمريكية في قولها :" إن المسئولين الأمريكيين بهذا التغير يمكنهم
استخدام المساعدات كأداة نفوذ على مصر في مجال حقوق الإنسان والحكم
الديمقراطي".
أما الواشنطن بوست فقد ذكرت أنه "على الرغم من رفع التعليق عن المساعدات فإن قرار واشنطن بعدم شراء مصر
مساعدات عسكرية من الاعتمادات المالية في المستقبل، علامة على تشديد الولايات
المتحدة قبضتها على المساعدات ردا على المعاملة القاسية مع المعارضين في مصر"، ونقلت الصحيفة عن مسئول كبير في الإدارة الأمريكية "أن جهود الولايات
المتحدة لتحفيز الإصلاحات من خلال حجب المساعدات لم تنجح كما كان يأمل
المسئولون" ، وأضاف "أن التحرك لوضع حد لتمويل الائتمان المالي العسكري
لمصر من شأنه أن يضع الولايات المتحدة في وضع أقوى بكثير إزاء ضبط المساعدات لمصر
في المستقبل".
وعن مغزى توقيت قرار رفع
الحظر على المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، يعتقد الكثير من المحللين أنه
يرتبط بتزايد أعمال الإرهاب والعنف بالمنطقة في الآونة الأخيرة، كما يتزامن مع
الحملة العسكرية التي تشنها مصر ضد الحوثيين في اليمن مع أشقائها دول الخليج ودول أخرى عربية والتي عرفت بـ"عاصفة الحسم" رغم نفى أوباما وجود ارتباط بين
هذا القرار والحرب الدائرة في اليمن، والتفاوض بين مجموعة دول 5+1 (دائمي العضوية
في مجلس الامن والمانيا) وإيران حول برنامجها النووي، وما تردد حول ارتباط هذه
المساعدات بالثبات الرئيس السيسي تنفيذه الإصلاحات الديمقراطية المتشددة في البلاد، إلا أنه لم يكن بعيدا عن أذهان صناع القرار في واشنطن ازدهار العلاقات مؤخرا بين
مصر وفرنسا، خاصة بعد إبرام القاهرة اتفاقا مع باريس لشراء 24طائرة مقاتلة
(رافال) كجزء من صفقة قيمتها 5.9مليار دولار .
- وقد أجملت شبكة
(بلومبرج) الأمريكية المغزى من وراء قرار الرئيس الأمريكي برفع حظر السلاح عن مصر
بقولها :" إن تسليح مصر بات شرا لابد منه، وربما يكون الرئيس المصري عبد
الفتاح السيسي يمارس بعد الصلاحيات الديكتاتورية ويعارض الحقوق المدنية، ولكن لم يعد
هناك معنى لوقف المساعدات في ظل التطورات المتعددة للازمات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
رؤية تحليلية
- رغم الخلافات السابقة
واللاحقة بين مصر والإدارة الأمريكية ، ولاسيما فيما يتعلق بشأن التعامل مع جماعة
الإخوان الإرهابية التي تتبناها واشنطن ، ولا تزال تراهن عليها وتطالب بإشراكها في
السلطة والحكم، وهو ما يرفضه الشعب المصري قبل الحكومة المصرية، إلا أن إدراك
إدارة أوباما متأخرا لخطأ حساباتها طوال السنتين الماضيتين في التعامل مع مصر
عندما اتخذت من المساعدات العسكرية وسيلة للضغط على الحكومة المصرية، هو الذي دفع
أوباما إلى تصحيح هذا الوضع الخطأ بعد ما تبين له مدى تأثيره السلبي على المصالح
الأمريكية في المنطقة، وعلى شركات السلاح الأمريكية التي تلعب دورا مهما في
الانتخابات الأمريكية .
وقد واجه الرئيس السيسي هذه الخطوة الأمريكية بإيجابية أيضا عندما أكد أن استمرار
المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، إنما يصيب في صالح تحقيق الأهداف
الاستراتيجية المشتركة للبلدين لاسيما فيما يتعلق بجهود مكافحة التطرف والإرهاب،
وحفظ الأمن، خاصة في سيناء، وعندما تجاوب السيسي مع هذه الخطوة الأمريكية كان
يضع في اعتباره المصالح العليا للقوات المسلحة التي تعتمد في تسليحها بنسبة 60%
على الأسلحة والمعدات الأمريكية، وضرورة تأمين الحصول المستمر على قطع الغيار،
وإجراء عمرات أنظمة التسليح الرئيسية، فضلا عن استعواض ما يتم استهلاكه من ذخائر
جوية وبرية في العمليات الدائرة في سيناء ، وأثناء التدريب، وذلك من أجل استمرار
المحافظة على الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، لذلك تجاهل السيسي مؤقتا العبود
التي أشار إليها أوباما بتغير تركيبة المساعدات العسكرية ابتداء من عام 2018 ،
وتحويل معظمها باتجاه محاربة الإرهاب والأمن البحري ، وعدم السماح لمصر بالحصول
على تمويل الاعتمادات النقدية ، فضلا عن الامتناع عن تصدير أنظمة تسليح رئيسية
لمصر .. كل ذلك تجاهله السيسي في رد فعله على القرار الأمريكي ، مؤجلا ذلك
لمناقشته في المستقبل عندما تأتي إدارة أمريكية جديدة بعد رحيل أوباما بعد عامين
وتكون الظروف السياسية ملائمة لكي تطالب مصر برفع هذه القيود .
- واذا كانت واشنطن قد
تخلت مؤقتا عن رهاناتها على جماعة الإخوان وإعادتها للحكم في مصر بعد أن ثبت لها
أنها رهانات خاسرة بجميع المقاييس ، إلا أن المعارك المشتعلة حاليا على أكثر من
جبهة في منطقة الشرق الأوسط ، دفعها إلى التراجع عن مواقف صلبت فيها رأيها دون
دواع قوية ، وذلك من أجل هدف أكثر استراتيجية وأكثر حساسية في مجال مكافحة الإرهاب
في الشرق الأوسط، وقد ذكر مسئول أمريكي أنه "إذا كانت المعارك المشتعلة
حاليا عمل أكثر من جبهة في منطقة الشرق الأوسط ، تقضي بتحالف حتى الأعداء ، فما
بالنا بحلفاء استراتيجيين شهدت علاقتهما فتورا بسبب وجهات سياسية لا ترقى إلى
مرتبة الجفاء المعلن، خاصة وأن الأحداث أثبتت أن القاهرة وواشنطن في مركب واحد، والعالم بأكمله يواجه خطر ويخشى من تبعاته، ويجب أن يترفع الطرفان عن أي خلاف مهما
كانت حدته."
- ومما لا شك فيه أن القرار الأمريكي يرفع الحظر عن المساعدات العسكرية لمصر، هو اعتراف أمريكي باستعادة مصر دورها الإقليمي
–وهو ما تمثل في المشاركة المصرية الإيجابية في عملية الحزم في اليمن –كما أن هذا
القرار يعد شهادة أمام العالم، وأقرارها بشرعية السيسي، وأن أمريكا تشعر بخطأ
تقديرها لثورة 30يونيو، واحترامها رغبة الشعب تحت قيادة السيسي، بل واعتراف أمريكي بأن الشعب المصري يؤيد سياسة السيسي وخطواته لاسيما في مجالي مكافحة
الأرهاب، والتنمية الاقتصادية، وهو ما تمثل في نجاح عمليات تطهير سيناء من
المنظمات الإرهابية، وأيضا نجاح مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي ودخول مصر في مشروعات
قوية ضخمة، وأن أمريكا ترى أن الشعب يؤيد هذه الإنجازات، ما كان له أثر في رفع
الحظر عن المساعدات الأمريكية.
- وقد يكون من أهداف
الإدارة الأمريكية من وراء قرار رفع الحظر عن المساعدات العسكرية أنه يمكن الحديث
مستقبلا عن دور مصري إقليمي يمكن الاعتماد عليه في ملفات متعلقة بأعمال عسكرية ذات
طابع أمريكي أو هدف أمريكي ولكنهم لم يدركوا في واشنطن حقيقة أن مصر واضحة في
رؤيتها لأمنها القومي وفي توجهاتها لتحقيق مفهوم الأمن الشامل، ولقد كانت رسالة
الرئيس السيسي واضحة في خطابه بالندوة التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة عندما وجه
الرسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في الإقليم قائلا: "الجيش المصري لمصر
وليس لأي جهة ثانية أو هدف آخر" . كما وجه رسالة أخرى بشكل غير مباشر إلى
الولايات المتحدة بأنها يمكن أن تستغنى عن المساعدات الأمريكية ، ورغم ذلك تستعيد
مكانتها إقليميا ودوليا ، وتحقق استقرارها الداخلي وفق مطالب شعبها ، وأن الولايات
المتحدة ستخسر كثيرا إذا اتخذت قرارا بفقدان العلاقات الاستراتيجية مع مصر ، وهو
ما أدركته واشنطن من اجتماع اقتصاديات العالم في المؤتمر الاقتصادي لدعم مصر بشرم
الشيخ، وكيف انهالت الدعوات على الرئيس السيسي لزيارة كبرى البلدان في العالم،
كما كان مستوى التمثيل العربي في القمة 26 بشرم الشيخ قد كشف بوضوح الثقل المصري
في المحيط العربي والإقليمي .
- وفي المحصلة النهائية
إن القرار الأمريكي برفع الحظر عن المساعدات العسكرية يعني أن العلاقات بين
البلدين قد انتقلت من التوافق السياسي المتمركز حول قضية واحدة هي الصراع العربي –
الإسرائيلي الى رحلة الاحتياج المتبادل والإطار الإقليمي الأوسع بحيث أصبح يشمل
قضايا أخرى على رأسها الإرهاب والتطرف، كما يعكس قرار رفع الحظر نية إدارة أوباما
في المتعامل مع القاهرة من منطلق المصالح، بعد فترة من التردد على عكس ما حدث
في الماضي عندما كان الكونجرس يثير بعض التحفظات على هذه المساعدات، لذلك من
المتوقع أن يكون لهذا القرار انعكاسا في تهدئة العلاقة بين القاهرة وواشنطن وإن كان
لايزال هناك مشوار لتسترد علاقاتها عافيتها، كذلك لا يمكن تجاهل حقيقة مهمة،
وهى أن التحرك العربي الذاتي رغم صعوبة الموقف في سوريا وليبيا واليمن، وقد دفع
الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى أخذ عنصر العزيمة العربية في
الاعتبار بعد أن كان تفصل هذا الاعتبار كليا، وهو ما يفرض في المقابل على الدول
العربية أن تضع في الاعتبار مدى حساسية المرحلة الحالية التي تمر بها بلدان الشرق
الأوسط، والتي تحتاج إلى الكثير من الحزم من جانب العالم العربي، تربط بين أدوات
السياسة بأدوات القوة العسكرية عند التصدي للتحديات التي تهدد الأمن العربي في
بعديه القطري والقومي.