مقدمة
- رغم اتفاق المصالحة بين الرئيس الامريكي باراك اوباما والصيني شي ، فإن احتمالية المواجهة المسلحة بينهما ستظل قائمة طالما ظل جيش التحرير الشيعيPLP صندوقاً اسوداً مغلقاً . ففي 12 نوفمبر 2014 ، وخلال مؤتمر صحفي عقد في بكين ، وافق كل من السكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني- شي جيبنج - والرئيس الامريكي باراك اوباما على اخطار الجانب الآخر قبل اي انشطة عسكرية كبرى ، وتطوير مجموعة قواعد السلوك عند اللقاءات التي قد تقع بينهما في البحر والجو ، وذلك من اجل تجنب مواجهات عسكرية بينهما في آسيا. وفي هذا الصدد صرح نائب مستشار الامن القومي الامريكي – بن رودس "من المهم للغاية ان نتجنب تصعيد غير مقصود" . ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عنه " إن اي ظرف عرضي من الممكن ان يؤدي الى شيء يعجل بنشوب صراع مسلح"
- وقد اثارت هذه التصريحات قلقا كبيرا لدى المحللين السياسيين والاستراتيجيين حول احتمالات نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين. ذلك انه على مدى العقود الاربعة الاخيرة، فإن دراسة تطور المؤسسة العسكرية الصينية ، من خلال المتحدث مع مئات من عناصر الجيش الصيني ، وجيش التحرير الشعبي PLA- افادت صحيفة (السياسة الخارجية Foreign A Hairs) وقراءة مجلات ومواد استراتيجية صينية لا تعد ولا تحصى ، بأن ذلك محتملا . ذلك ان القيادات السياسية والعسكرية الصينية يعتقدون ان بلادهم تقع في مركز التخطيط الامريكي للحرب الكونية القادمة ، بمعنى آخر تعتقد بكين ان الولايات المتحدة تعد نفسها لصراع مسلح محتمل مع الصين ، وهو الاحتمال الذي ينبغي على الصين التحسب والاستعداد له على اساس الفشل السياسي في تجنبه .
- ولم يكن تصاعد حالة التوتر بين البلدين بسبب التوسع السريع في الميزانية العسكرية الصينية ، ولا لأن الوليات المتحدة مستمرة في الدفع بقوات برية وبحرية وجوية متزايدة في منطقة المحيط الهادي ، كجزء من "استراتيجية اعادة التوازن". ولكن يرجع تصاعد حالة التوتر الى مشكلة كبيرة تواجهها المؤسسات الامنية والعسكرية الامريكية ، وهي التعتيم الصيني ، ففي الوقت الذي يسعد الولايات المتحدة ان تسمع الرئيس الصيني شي يوافق على توجيه جيش التحرير الشيعي PLA لان يكون اكثر انفتاحا تجاه الولايات المتحدة ، فانه من المشكوك فيه ان يؤدي ذلك الى احداث تغيرات حقيقية في الاستراتيجية الامريكية المعادية للصين .
- ولذلك اعربت واشنطن عن استعدادها لتقاسم حجم كبير من المعلومات العسكرية مع الصين من اجل تقليل احتمالات سوء الفهم أو سوء التقدير ، فضلا عن العقبات التي قد تعوق الاتصالات بين البلدين "ولكن القيادة الصينية التي تستفيد من حالة التشويق المتعمد ، والتكتيكات غير المتماثلة ، وترفض التواصل مع امريكا حول نواياها العسكرية " على حد تعبير وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس خلال زيارته للصين في يناير 2011 .
بكين ترفض الحديث عن قضايا عسكرية رئيسية
- ورغم الدعوات المتكررة من المسئولين الامريكيين لنظرائهم الصينيين لبدء حوار حول القضايا العسكرية الرئيسية ، فقد اتضح ان بكين غير مستعدة لمناقشة هذه القضايا .. مثل تكوين قوة الانتشار السريع ونطاقه ومدى عملها ونوايا استخدامها ، تطوير الصين لتقنيات خاصة يمكن ان تعرقل عمليات القوات البحرية الامريكية في المنطقة ، هذا فضلا عن تورط الجيش الصيني في هجمات الكترونية (السبرانية) cyberattacks ضد الولايات المتحدة .. الى غير ذلك من المواضيع الاستراتيجية التي يفيد تواصل البلدين حولها في تقليل الاحتكاك بين الجانبين . واحيانا كما في عام 2010 بعد مبيعات الاسلحة الامريكية الى تايوان –قطعت بكين الاتصالات بين المؤسستين العسكريتين في البلدين – مما ادى الى صمت معلق لدى واشنطن .
- ونتيجة لذلك ، يتوافر قدر كبير من عدم الثقة المتنامية في نوايا الصين بين المفكرين السياسين والعسكريين في الادارة الامريكية . وقد شكا الكثيرون من الضباط الصينين من المقالات التي تنشرها المجلات العسكرية الامريكي –خاصة من كلية الحرب الامريكية – سيناريوهات متوقعة لحرب امريكية مع الصين ، وكيف ممكن للولايات المتحدة ان تنتصر فيها . فعلى سبيل المثال نشرت مجلة معهد البحرية الامريكية (proceeding Maggie) في فبراير 2014 مقالا بعنون "ردع التنين " يقترح زرع الغام هجومية تحت الماء بطول الساحل الصيني لاغلاق الموانيء الرئيسية في الصين ، وقطع وتدمير خطوط مواصلاتها البحرية . كما اقترحت هذه المقالة ارسال قوات عمليات خاصة لتسليح ودعم الاقليات المعارضة في المناطق الغربية الشاسعة في الصين ، حيث تتواجد اقليات معارضة معظمها مسلمة .
- الا ان الصين فعلت نفس الشيء ففي عام 2013 قام كل من الجنرال بنج جوانجكيان ، والجنرال ياو يوزهي بتحديث نصوص "علم الاستراتيجية العسكرية" ، ودعا المسئولين العسكريين في بكين الى تطوير الترسانة النووية الصينية على الصعيدين الكمي والنوعي ، وذلك من اجل اغلاق الفجوة بين كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة في هذا المجال . وحتى ما يطلق عليه (نموذج xi الجديد) في شأن العلاقات بين القوى العظمى يبدو انه يحول دون استكمال مفاوضات الحد من الاسلحة الاستراتيجية ، وحتى تستسلم الولايات المتحدة لمفهوم حتمية صعود الصين .
- وقد يفاجأ كثير من الناس خارج البنتاجون كيف ان كثيرا من كبار المسئولين الامريكيين يبدون قلقهم حول احتمالات نشوب حرب مع الصين . وهؤلاء يشملون ليس اقل من اثنين من وزراء الدفاع السابقين ووزير خارجية اسبق ففي الفصل الختامي من كتاب هنري كيسنجر (على الصين On china) الذي صدر عام 2011 ، حذر من حرب واسعة بين الصين وامريكا على غرار الحرب العالمية الاولى ، متسائلا "هل يعيد التاريخ نفسه؟"
- وعلى الاقل خلال العقد الاخير ، قامت الولايات المتحدة خلال عدة مناسبات بالضغط على الصين لكي تكشف وبصراحة كاملة على نواياها وقدراتها العسكرية . وفي ابريل 2006 وعقب لقاء بين الرئيس الامريكي جورج بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ، والرئيس الصيني هو جينتاو ، اعلنت كلتا الحكومتين بدء محادثات بينهما على مستوى قادة القوات النووية الاستراتيجية . وكانت هذه الخطوة في غاية الاهمية لاظهار الانفتاح حول النوايا العسكرية للدولتين ، الا ان تدخل جيش التحرير الشعبي الصيني PLA اوقف بدء المحادثات .
- وفي رحلة الى بكين في عام 2012 قام بها وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا ، حاول فيها حث بكين على الدخول في محادثات عسكرية . وعلى طريق سلفة روبرت جيتس ، دعا بانيتا الى فتح حوار استراتيجي حول اربعة موضوعات : الاسلحة النووية ، الصواريخ الدفاعية ، الفضاء الخارجي ، والامن السيبراني . الا ان الصينين اعترضوا ، ومرة اخرى لم تتم اي محادثات .
- ومن المؤكد ان باستطاعة بكين ان تتابع الاتفاقيات التي تم الاعلان عنها في زيارة اوباما الاخيرة . ولكن الشكوك حول ذلك لا تزال قائمة. ذلك ان واحدة من اكبر المزايا التي تتمتع بها الصين وتتميز بها عن الولايات المتحدة هو تفوقها في معرفة الحرب اللامتماثلة asymmetry of military knowledge ، فلماذا يتخلون عن هذه الميزة
الموازنة العسكرية الصينية
- اعلنت الصين مؤخرا رفع قيمة موازنتها العسكرية 10.1في المائة لتبلغ 886.9 بليون يوان(144.2 بليون دولار)في عام 2015 . ولم تنظر دول غربية ووسائل اعلامها بعين الرضا الى هذه الزيادة ، حيث تسوق مخاوف متخيلة عن هذه الموازنة العسكرية الضخمة . الا ان نسبة رفع الموازنة العسكرية الصينية البالغة 10.1% هي ادنى الزيادات في الموازنات الدفاعية الصينية في الاعوام الخمسة الاخيرة . وهي تتماشى مع تراجع نسبة النمو الاقتصادي الصيني ، وتبرز الحاجة الى اموال لتحديث الجيش الصيني وضمان التزام الصين النمو السلمي . وقد اعتبر معلقون صينيون ان موازنة بكين العسكرية ليست كبيرة بالنسبة لبلد يزيد عدد سكانه عن 1.3 بليون نسخة ومساحة تبلغ 9.6 مليون كم مربع . لاسيما وان هذه الميزانية تقتصر على 1.5 في المائة من اجمالي الناتج القومي للصين . هذا في وقت تبلغ الموازنة الدفاعية للولايات المتحدة 4.5% من ناتجها القومي ، وذلك على رغم تقليص النفقات العسكرية في السنوات الاخيرة ، كما تعتبر الصين من اكبر المساهمين في عمليات السلام التي تنهض بها هيئة الامم المتحدة ، كما ان عدد الجنود الصينين المشاركين في عمليات الامم المتحدة هو الاكبر بين الدول الخمس دائمي العضوية في مجلس الامن ، وموازنتها العسكرية هي الادنى بين هذه الدول قياسا الى ناتجها القومي .. حيث ارسلت الصين 27 ألف جندي على مدى 25 سنة الماضية للمشاركة في عمليات حفظ السلام وقطعت اشواطا كبيرة في المفاوضات مع جيبوتي لاقامة قاعدة عسكرية تطل على باب المندب . وتستأثر افريقيا باعتبارها قارة غنية بالمواد الاولية باهتمام خاص من القادة الصينين . لذلك لم يكن غريبا ان تضاعف الصين من حجم مساعداتها لافريقيا لتصل الى 20 بليون دولار ، وبذلك استحوذت على المرتبة الاولى التي كانت تحتلها الولايات المتحدة . كما تعتبر الصين الشريك التجاري الاول للقارة الافريقية بعدما وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين الى 50 بليون دولار ، وهو ما يشكل 10% من التجارة الخارجية للصين .
- تعتبر بكين ان زيارة الانفاق العسكري الصيني يدخل في اطار الاجراءات الاصلاحية حيث تسعى الصين الى ردم الهوة العسكرية بينها وبين غيرها من الدول الكبرى في المجال التكنولوجي . ومرر هذه الهوة الى الاهمال وضعف التمويل في هذا المجال في الثمانينات والتسعينات . وقد بالغ بعض المحللين الغربين في الكلام عن زيادة الصين عدد غواصاتها النووية ، واغفلوا عمدا ان الهوة كبيرة بين قدراتها الصاروخية والقدرات الامريكية الصاروخية . ولا نخفى ان الصين تجابه عددا لا يستهان به من التحديات الخارجية .. فمع تصاعد التوتر في بحر جنوب الصين ونحو شرق الصين ، واقرار ايابان اكبر موازنة عسكرية لها في يناير الماضي ، فإنه يتعين على الصين ان تعد العدة لمواجهة نزعات اليابان العسكرية ، وبناء قوتها لردع النزاعات او حرب قد تشنها دولة مجاورة ، كما لا يجوز اغفال الطبيعة الدفاعية لسياسة الصين العسكرية واستراتيجيتها .
- الا ان ثمة قلق يتنامى في انحاء الصين ازاء سبل استخدام الموازنة العسكرية في وقت يتم فيه ملاحقة عدد متزايد من المسئولين العسكريين الفاسدين . ففي 2 من شهر مارس الجاري نشرت السلطات العسكرية الصينية لائحة بأسماء 14 جنرالا بلا حقوق بتهمة الابتزاز والفساد او ادينوا بهذه التهمة ومن هؤلاء (جووا زهنج جانج) وغيره من المسئولين رفيعي المستوى في وحدات مختلفة من الجيش ، ويقول المسئولون الصينيون ان فتح التحقيق مع هؤلاء المسئولين الكبار الفاسدين هو دليل وقرينة بأمنه على ان مساعي مكافحة الفساد المالي لا حدود لها ، وتندرج في سياق الحملة الوطنية لمكافحة الفساد . وقد وصف الاعلام الصيني المسئولين الفاسدين بأنهم "مهووسون بالاختلاس والرشاوي للنزول على رغباتهم ونزواتهم ، ويرجح انهم لا يلتزمون بواجباتهم في حماية البلد ، وانهم مثل حبات التفاح الفاسد التي تنتشر عدواها في الشجرة كلها ، كما يقوضون اخلاق المؤسسة العسكرية ومراتب القيادة والمراقبة والقتال والاحتياط ، ولكن اعدادهم ضئيلة من مجمل المسئولين العسكريين الذين يرفضون تبديد الموارد العسكرية ويطالبون بمكافحة الفساد والاشراف على الموازنة العسكرية ، والتي يجب ان تخصص المزيد من الموارد للابحاث وتطوير تكنولوجيات دفاعية متقدمة ، وتحديث الاسلحة ، وتحسين مستوى معيشة الجنود (جلوبال تايمز الصينية في 8/3/2015) .
اولوية الغايات والاهداف القومية الصينية
- يتفق معظم المحللين الغربيين على ان اولوية الاهداف القومية الصينية تتمثل في تحقيق التقدم الاقتصادي السريع والدائم ، ورفع مستويات التقنية والعلوم والصناعة ، واكتشاف وتطوير الموارد القومية الكامنة في باطن الارض والبحر ، وتأمين طريقها للوصول الى الموارد الكونية في العالم وفي الفضاء . هذا فضلا عن هدف قومي آخر لا يقل اهمية عن الهدف الاقتصادي يتمثل في وحدة الاراضي الصينية واستعادة السيطرة على ما تبقى منها خارج سيطرة نظام الحكم القائم في بكين ، حيث حلت الاعتبارات القومية بدلا من الشيوعية كرابطة تربط النظام الحاكم بالشعب الصيني . لذلك حرصت بكين على استعادة السيطرة على هونج كونج في عام 1997 والقضاء على القوى المعارضة فيها ، وكذلك جزيرة مكاو في عام 1999 ، واليوم يعتبر الهدف الصيني القريب والمباشر هو استعادة تايوان رغم انها تتمتع بالحماية الامريكية ، ثم يأتي في المقام الثالث من الاهداف القومية الصينية ضرورة ان تكون الصين دولة عظمى ولاعبا دوليا مستقلا .
- من ناحية اخرى ، فان الصين برهنت بوضوح على ان نزعتها البرجماتية وتركيزها على بناء اقتصادها ، لا يعنيان تخليها عن بناء قوة عسكرية متطورة ولقد زادت القدرات الاقتصادية والعلمية المتنامية للصين ربما يمكنها من تحديث قوتها العسكرية وتطويرها ، وفي ذلك تتعاون الصين مع روسيا ، وكلاهما يطالبان بنظام عالمي متعدد الاقطاب ورافضتين لاستمرار الهيمنة الامريكية على العالم .
- وتعتقد الصين ان السياسة الامريكية تجاهها تقوم على اساس تكبيلها ، وتفكيك نظامها السياسي ، وهو الفهم الصيني لما يسميه الاستراتيجيون الامريكيون بسياسة "الجذب والادراج" اي جذب الصين بالتلويح لها بالمساعدات التقنية والاقتصادية وفتح الاسواق امامها ، وبما يعني في النهاية ادراج الصين في مدار الفلك الامريكي ، وليس ادراجها في مسارات العلاقات الدولية المختلفة . وهناك الكثير من الممارسات التي تؤكد هذا الاقتناع لدى الصينين ، منها على سبيل المثال استمرار عمليات التجسس الامريكية على السواحل الصينية ، وصفقات السلاح التي تعقدها الولايات المتحدة مع تايوان ، ومحاولات قطع الطريق على تنمية وتحديث الصين بدعوى تطبيقها نظاما سياسيا غير ديمقراطي ، وهو ما تعمل الصين على تحديه بتفعيل معاهدة الشراكة الاستراتيجية الروسية – الصينية ، والتي ابرمت في يوليو 2001 واسفرت عن اضخم صفقة عسكرية آنذاك لبيع طائرات سوخوي طراز (MKK-30) تصل قيمتها الى 2 مليار دولار ، وبالتعاون الاستراتيجي مع دول وسط وشرق آسيا ، وبناء تحالفات دفاعية معها .
التقييم الامريكي للقوة العسكرية الصينية
- تختلف آراء الاستراتيجين الامريكين حول تقييم قوة الصين العسكرية وما تشكله من تهديد للولايات المتحدة ، ولا سيما في اطار القوة الاستراتيجية الشاملة للصين . فبينما يهون بعض الاستراتيجين الامريكيين من خطر الصين في مجال الاسلحة النووية والصاروخية ، اذ يرون امامهم طريقا طويلا عليها ان تقطعه حتى تلحق بركب الولايات المتحدة وروسيا ، فان اخرين لا يرون ذلك ويعتبرون ان قوة الصين من الصواريخ عابرة القارات والمزودة برؤوس نووية متعددة قادرة على الحاق دمار كبير بالولايات المتحدة اذا ما استخدمت ، خاصة وان الصين ستكون قادرة على استيعاب الضربات النووية الامريكية وامتصاصها ، واستمرار فرض التحدي في مواجهة الولايات المتحدة، بالنظر لما تتمتع به الصين من قدرات جيوبوليتيكية ضخمة خاصة ما يتعلق منها بالقوة البشرية والمساحة الشاسعة ، لذلك يصنفها فريق من المخططين الامريكيين باعتبارها من اخطر "الدول المارقة" ، خاصة وانها متهمة بتزويد قائمة من تلك الدول في الشرق الاوسط بالتقنية الصاروخية والنووية ، وبانها وراء التطور المتسارع للتقنية الصاروخية في دول العالم الثالث ، حيث اكتشفت بعض هذه الدول جدوى السلاح الصاروخي في ردع اعدائها مع قلة تكلفته المادية –لا سيما اذا كان صيني او كوري شمالي مقارنة بالصواريخ الباليستية الغربية – فاندفعت وراء اقتنائه او تصنيعه محليا .
- ولان الصين تدرك تماما هدف الولايات المتحدة من وراء تجديدها من سلاحها الصاروخي نهائيا ، ونظرا لأن مخزون الصين من الرؤوس النووية التي يمكن ان نحملها الصواريخ الباليستية محدود مقارنة بما لدى روسيا ، فان الولايات المتحدة لا تسعى الى تخفيض عدد الرؤوس النووية كما هو الحال مع روسيا في معاهدات (ستارت) ولكن ازالة الرؤوس النووية الصينية نهائيا . لذلك فان مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي في مواجهة الصين يعتبر ايضا امر ضروريا من وجهة النظر الامريكية ، حيث يحميها من هجوم صاروخي نووي صيني . ونتيجة لإدراك بكين لهذه الحقيقة ، بالإضافة لإدراكها رغبة امريكا في دفع الصين نحو سباق لتسلح صاروخي يرهق اقتصادها الواعد ، ويسبب لها مشكلات سياسية واجتماعية على النحو الذي مارسته امريكا في الاتحاد السوفيتي السابق ، وتسبب في سقوطه وتفككه ، فان بكين لن تسمح لواشنطن بان تحقق اهدافها هذه ، لذلك ستتعامل مع برنامج الدفاع الصاروخي الامريكي بحذر شديد متعاونة في ذلك مع روسيا .
- ولأن استعادة تايوان ذات اهمية قصوى في الاستراتيجية الصينية ، ولأن الصين تخشى ان يمثل نظام الدفاع الصاروخي الامريكي مظلة حماية لتايوان ، فقد اهتمت الصين بتشييد قاعدة صاروخية تبعد 480كم عن تايوان ، مع وضع خطة لنشر 50 صاروخ باليستي جديد كل سنة في مواجهة تايوان ، وقد وصل عدد هذه الصواريخ الباليستية الصينية المنتشرة قرب مضيق تايوان الى نحو 1000 صاروخ متوسط المدى ، كما اهتمت الصين كذلك بتحدي الضغط المتزايد الجاري عليها من قبل امريكا لبيع نظام الدفاع الصاروخي المتطور "ايجبس" الى تايوان وهو النظام الذي يمكن تحميله في قطع بحرية .
- ومن المؤكد ان قلق الصين اكبر من القلق الروسي ازاء برنامج الدفاع الصاروخي الامريكي ، ذلك ان مقدرة الصين الردعية الصاروخية الصغيرة (نحو100 صاروخ باليستي عابر القارات) ستكون مهددة بشكل مباشر خلال الرحلة الاولى من مخطط نشر نظام الدفاع الصاروخي القومي الامريكي MNO وهنا يبرز السؤال حول الكيفية التي سترد بها الصين على نشر هذا النظام ؟ تشير الاختبارات الصينية الاخيرة على الصواريخ انها تضمنت اجراءات مضادة ستنشرها الصين في المستقبل تستهدف تبديد الصواريخ المعادية التي تهاجمها وتفجيرها في الجو قبل ان تصل الى الاراضي الصينية بيد ان الضغط المتزايد على العلاقات الصينية – الامريكية سيقوي موقف القائلين في بكين بوجوب بناء قوة نووية صينية كبيرة لاسيما وان الصين قادرة على توسيع قواها النووية وصواريخها الباليستية بعيدة المدى في العقود المقبلة عبر بناء صواريخ بالستية هجومية اضافية ، خاصة ذات الرؤوس الحربية المتعددة وتزويدها بتقنيات قادرة على اختراق نظام الدفاع الصاروخي الامريكي .
- ومنذ اللحظة الاولى لاعلان الرئيس الامريكي بوش قراره بتنفيذ مشروع الدفاع الصاروخي ، صدرت تحذيرات مختلفة عن بكين يؤكد أن "نظاما كهذا لن يشعل فقط سباقا للتسليح ، بل سيهدد ايضا السلم والامن العالميين في القرن الحادي والعشرين" . ووصف مندوب الصين في مجلس الامن (سياو دي) هذا المشروع الامريكي بأنه "شكل خفي من اشكال التوسع في الاسلحة النووية من جانب واحد ، ويعطل بشكل كبير السيطرة الدولية على الاسلحة وعملية نزع السلاح ، ويثير سباقا جديدا للتسلح" . وكما فعلت موسكو في وقت سابق ، وجهت بكين تحذير الى واشنطن من مغبة التخلي عن معاهدة الانظمة الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972 ، ودعمت ذلك بتوثيق التعاون الاستراتيجي بينها وبين روسيا في المجال التقني من اجل ارساء اسس مشتركة لمواجهة المشروع الامريكي والتقليل من فاعليته .
- وطبقا لتقديرات الخبراء الاستراتيجيين الغربين، فالى جانب امتلاك الصين حوالي 100 صاروخ عابر للقارات طراز DF-5A الذي يصل مداه الى 13.000كم وقادرا على حمل رأس نووية زنة 3 أطنان فانها تملك ايضا نحو 500 رأس نووية . كما تشير التقديرات كما نجحت الصين في تطوير صواريخ احدث DF-31 الذي يصل مداه الى 8000كم ، وباستطاعته الوصول الى الساحل الغربي للولايات المتحدة ، وايضا الصاروخ DF-41 الذي يصل مداه الى 12000كم ، ويمكنه حمل عدة رؤوس نووية بعضها خداعية لخداع اجهزة الاستشعار في الصواريخ المضادة الامريكية ، بالإضافة للصاروخ جونج-2 الذي يصل مداه الى 8000كم ويحمل رأسا نووية واحدة او ثلاث رؤوس نووية فرعية ، وقد اجرت الصين تجارب ميدانية على هذه الصواريخ
- ومن المؤكد ان الصين تملك الموارد المالية التي تمكنها من صنع الصواريخ والرؤوس الحربية التي تواجه بها مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي ، وبحلول عام 2020 يتوقع ان تملك الصين حوالي 200 صاروخ نووي عابر للقارات من طرازي DF-39 ، DF-41 قادرة على الحركة الذاتية اضافة الى نحو 50 رأس نووي خاصة تلك الصواريخ كما ستكون البحرية الصينية قد امتلكت في عام 2020 عشرة غواصات نووية مسلحة بصواريخ بحر/ارض طراز (جوادنج2) المزودة بعدة رؤوس نووية . ويقدر تعزيز كوكس العسكري الامريكي ان الصين ستصبح مالكة لنحو 1500 رأس نووية في عام 2020، مما سيعطيها وزنا مؤكدا متنامى القوة على الساحة العالمية . ولن تكون الاموال عائقا امام تحقيق هذا الهدف ، اذ ان صناعة 200 صاروخ باليستي عابر للقارات يكلف نحو 2مليار دولار ، وهو مبلغ بشكل اقل من 2% من احتياطي العملة الاجنبية في الصين . وتعتمد الصين استراتيجية (الاغراق الصاروخي) في التعامل مع الدول المعادية لها – وفي مقدمتها الوليات المتحدة –بحيث يتم قصف الاهداف المعادية بأكثر من ضعف ما تستحقه من صواريخ لتعويض ما ستعترضه الصواريخ المضادة الامريكية وتسقطها ، ربما تعجز معه شبكة الصواريخ المضادة الامريكية عن الدفاع عن مئات الاهداف الاستراتيجية الامريكية التي ستستهدفها الصواريخ الباليستية النووية الصينية والروسية ، ربما يضمن في النهاية وصول نسبة لا تقل عن 30% من الصواريخ الصينية الى اهدافها .
- ومن اجل عرقلة مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي تقود الصين ومعها روسيا مقاومة عالمية لهذا المشروع ، وذلك من خلال منظمة "شنغهاي للتعاون" التي تضم روسيا وكازخستان و قرغيزيا وطاجاكستان واوزباكستان ، وجميعها ترفض مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي ، وتطالب بالابقاء على معاهدة الانظمة الدفاعية الصاروخية الباليستية لعام 1972 واعلنت بكين انها ستقاوم نشر عناصر المشروع الامريكي في تايوان واليابان . كما تعاند الصين امريكا في مناطق ذات اهمية استراتيجية لها لارباك واشنطن والتشويق على خططها ، كتقديم صواريخ بالستية ومساعدات تقنية واسلحة حديثة لكل من ايران وباكستان . حيث زادت الصين مبيعاتها من الصواريخ الباليستيه M-11 للدولتان ، وهو ما حفز الدول العربية الخليجية على امتلاك انظمة صواريخ مضادة للصواريخ . مثل بازيوت باك -3- وايضا الهند التي قامت ببناء حوالي 500 رأس نووية لمواجهة التنديدات الصينية والباكستانية ، وهو ما يعني تصعيد سباق التسلح في جنوب ووسط اسيا . كما تقاوم الصين نشر اي عناصر من نظام الدفاع الصاروخي الامريكي –سواء اللاستراتيجي (NMD) لنشر صواريخ مضادة للصواريخ في الولايات الامريكية وقواعدها العسكرية في اوربا وآسيا National Missile Defense او مشروع الدفاع الصاروخي عن مسرح العمليات (TMD) في الدوائر الاقليمية Thester missile Defense بالاضافة لتكثيف الصين عمليات تجسس عميقة ضد الولايات المتحدة ، وفي اطار جميع هذه الخطوات الصينية ستجري بكين على عدم تمكين واشنطن من تحقيق هدفها بتوريط الصين في سياق تسلح يؤدي الى انهاكها اقتصاديا كما فعلت واشنطن مع الاتحاد السوفيتي السابق . مع وضع هدف استعادة الصين سيطرتها على تايوان باستمرار في قمة اولوياتها السياسية والاستراتيجية ، والا تسمح لأمريكا بأن يستمر الوضع الحالي في تايوان ال مالا نهاية ، مع حرص الصين على عدم تعريض العلاقات الامريكية –الصينية للخطر ، والا تعطي الصين الفرصة للولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية على الصين ، ربما يؤدي الى نقل التقنية الامريكية والاستثمار المباشر ووصول الصين الى الولايات المتحدة باعتبارها تريد تخويف الصين وابتزازها توطئة لاحتوائها ، وحتى لا تعرقل خطط الولايات المتحدة لبسط هيمنتها على شرق آسيا في المقابل ستدعم الصين خطط كوريا الشمالية لتطوير ترسانتها الصاروخية الباليستية –خاصة من طراز تايبوتنج 2،3 –والقادرة على ضرب اليابان ومدن الساحل الغربي الامريكي .
العوامل التي تمكن أن تؤدي الى نشوب حرب بين امريكا والصين
- يعتبر الكثير من الاستراتيجيين الأمريكيين والصينين أن زيادة التغلغل العسكري الامريكي في تايوان ، ونشر انظمة تسليح امريكية مضادة للصواريخ – تكتيكية او استراتيجية – في جزيرة تايوان قد يؤدي الى نشوب صراع مسلح بين الصين وامريكا . حيث يمكن لنظام الصواريخ التكتيكي المضاد للصواريخ – ميل ايجيس باتريوت -اذا ما تم نشره في تايوان أن يعرقل الهدف الصيني ذو الاولوية المطلقة وهو استعادة تايوان وضمها الى الوطن الام . ومنذ فبراير 2000 حددت الصين موقفها هذا في الكتاب الابيض الذي اكد ان الروابط العسكرية القائمة والمتوقعة بين الولايات المتحدة وتايوان ، قد ينتج عنها استخدام الصين لقواتها المسلحة ويختلف موقف الصين بشأن نشر صواريخ امريكية مضادة للصواريخ في اليابان وكوريا الجنوبية عن موقفها بشأن نشر مثل هذه الصواريخ في تايوان ، باعتبار ان اليابان وكوريا الجنوبية دولتان ذات سيادة ، اما تايوان فهي في النظرة الصينية جزء من الوطن الام (الصين) ستستعيده الصين يوما ما .
- كما قد يؤدي زيادة حجم التواجد العسكري البحري الامريكي في بحر الصين الشرقي ، وبحر الصين الجنوبي ، وخليج تايوان ، كذلك في بحر اليابان والبحر الاصفر ، ربما يهدد كوريا الشمالية (حليف الصين الرئيسي في جنوب شرق آسيا) ، والى وقوع مواجهة مسلحة بين القوات الامريكية والصينية ، باعتبار مسئولية الصين عن الدفاع عن كوريا الشمالية ويزداد الامر تعقيدا اذا ما اختبرت كوريا الشمالية صواريخ بالستية تطول الساحل الغربي للولايات المتحدة ( تايبوتنج-2وتايبوتنج-3) وساندت الصين هذا الموقف الكوري الشمالي بنشر قوات بحرية لها في خليج كوريا ، وسقطت صواريخ –او بقايا صواريخ كوريا الشمالية فوق اليابان كما حدث في الماضي.
- وفي مواجهة مثل هذه السيناريوهات ، قد تلجأ الولايات المتحدة الى فرض حصار بحري على الصين لمنعها من التدخل في معركة كوريا الشمالية وتايوان، ربما يمكن ان ترد عليه الصين بتدمير هدف بحري كبير للولايات المتحدة (حاملة طائرات او بارجة صواريخ) ، او اسقاك طائرة ركاب امريكية عابرة في اجواء المنطقة ، او قصف مدن الساحل الغربي الامريكي (لوس انجلوس ، سان فرانسيسكو ، سان ديجو ) بصواريخ صينية او كورية شمالية ، وهو ما ستعتبره واشنطن بمثابة اعلان حرب من الصين على الولايات المتحدة ، يترتب عليه توجيه ضربات جوية وصاروخية وبحرية ضد مدن واهداف استراتيجية في الصين ، قد تبدأ رؤوس تقليدية تتصاعد الى رؤوس نووية .
المراجع
- China and the United states are preparing for War –Foreign police 3/11/2014
- التقرير الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISSعام 2014 عن التوازن العسكري .
- تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية حول تهديدات الصين ، صحيفة لاستاميا الايطالية ، ترجمة هيئة الاستعلامات بالقاهرة .
- فيليب سوندرس "على بكين وواشنطن اقامة حوار استراتيجي ، هيرالد تريبيون (لندن 14مايو 2001)"
- جون بومفرت "بكين توجه تحذيرا بشأن نظام الدفاع الصاروخي للولايات المتحدة –هيرالد تربيون 14يوليو 2000
- فريدريك روبين "الصين تقوم بتجربة صاروخ قادر على ضرب الولايات المتحدة ، صحيفة لوموند الفرنسية 4 اغسطس 1999
- الصواريخ الصينية ، هيرالد تربيون 16يوليو 2000
- التعاون الاستراتيجي بين الصين وروسيا –صحيفة البيان –دبي 27يوليو 2001 ملحق الملف السياسي .
- من "دفاع صاروخي الى سباق تسلح" –مجلة الوسط –العدد 487 مايو 2001
- برنامج الدفاع الصاروخي يعيد اجواء الحرب الباردة ، صحيفة البيان -21يوليو 2000
- Berry .”us National Missile Defense : Views from Asia”in national Missile Defense ,o pcit ,24
- ولمزيد من المعلومات انظر
- Robert A.partar ,”China and the united states :What threatens whom?Journal of International Affairs ,vol.54,No.2
- Brad Robert ,Robert A Manning and Ronald N . Montaperta “china : Me Fargatten Nuclear power ,”Foreign Affairs vol.79.No4
- حسام سويلم ، نظام الدفاع الصاروخي الامريكي –مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية –ص 144 الموقف الصيني وتوقعاته ، الطبعة الاولى 2003 .
- الموازنة العسكرية الصينية – جلوبال تايمز الصينية في 8 مارس 2015 .