لم يستطع الزوج أن يساوم كثيرًا السائق العجوز.. وافقه على ما يريد رغم المبالغة الواضحة.. واندسا في سيارته المتهالكة، بدأ الزوج يردد الآيات القرآنية والأدعية وهو يلف ذراعه حول جسدها، ينظر في وجهها من وقت لآخر فيجدها ما زالت مستيقظة، يواصل قراءته وهي تنظر في العتمة الممتدة، أضواء السيارة تبددها، فتتمايل أشباح الأشجار والنخيل على الجانبين، لم تكن تفكر في شيء في تلك اللحظة إلا في ملامحها التي تفر منها، كيف تتلاشى ملامحها بهذه السرعة؟!.
جاء صوت أختها كمن وضع حملًا ثقيلا ظل يحمله فترة طويلة، قالت بصوت حيادي تمامًا: أمك ماتت، ظلت صامتة لا ترد لبضع دقائق جعلت الأخت على الطرف الثاني من الهاتف تعتقد أنها تبكي فرددت لها بصوت أكثر حيادية:
ـ ارتاحت محدش شاف عذابها.
وضعت السماعة في هدوء.. كان زوجها يمشط للصغيرة شعرها.. نظر إليها نظرة تساءل، فانهارت بجانبه على الكرسي.. الصغيرة تنفلت من يد الزوج وتمسك بيدي أمها اللتين تغطي وجهها.. رفعت رأسها حين بدأت الصغيرة تبكي.. احتضنتها وتاهت في الفراغ.. زوجها يشعر بالارتباك ولا يجد كلمات يواسيها بها.. لقد عادت منذ ساعات بعد أن ظلت بجانبها ثمانية أيام.. وقفت على استحياء أمام أبيها وقالت له:
ـ هروح أجدد الإجازة وأرجع.
سؤال ظل يتردد في ذهنها.. أما كنتي قادرة يا أم على أن تفيقي لحظات حتى أر ي فيها عيونك لآخر مرة ؟، دست بعض الملابس لها ولزوجها في حقيبة صغيرة قررت ترك الصغيرة مع عمتها، سارت وسط ذهول جيرانها الذين تعاطفوا معها وبدءوا يرددون تعليقات سمعتها في صمت:
ـ السكينة سارقاها
ـ والله أمها كانت ست أميرة
ـ يا عيني هيتبهدلوا في نص الليل، مواصلات الصعيد صعبة
حاولت تذكر مواقف تجمعهما، لا شيء في الذاكرة، كل شيء باهت وبعيد، تأتيها صور غير مترابطة في عتمة الليل.. طوال عمرها العلاقة بينهما غير تقليدية، هي المرأة الضعيفة خالص، صورتها وهي تقف حائلًا بينها وبين أبيها وهو يهم بصفعها تحتل الكادر الآن.. صوتها الضعيف يحاول إقناعه بعدم الضغط عليها لتتزوج ابن أخيه.. يخشي عليها الجامعة.. والكتب التي لا تتركها من يدها.. والأفكار.. تحمس كثيرًا حين تفوقت في المدرسة.. لكن كلام أخوته عن مخاطر الغربة والسفر على البنات تربكه.. وهي تصر على أن يتقبل فكرة خروجهن وتعليمهن:
ـ ولادك متربيين وعاقلين
يد زوجها تربت على كتفها.. تفر بعيدًا حيث الجسد الذي تركته منذ ساعات.. حين اخترقت السيارة الطريق الترابي الذي طال على غير العادة كانت خيوط الضوء الأولى تبدد العتمة.. الرجال يخرجون للحقول.. صورهم تبدو ضبابية في غبشة الصبح.. تميز بعضهم وهم يتحدثون ويجرون وراءهم حيواناتهم.. البعض الآخر أسماءهم تضيع من ذاكرتها.. ولد صغير يقف أمام منزله يدعك عيونه ويشيع السيارة في نظرة لا تدل على شيء.. لنساء اللاتي يذهبن للسوق أو للحقل يرمقنها في أسي.. اقتربت من شارعهم نزلت تاركة الحقيبة لزوجها.. يشد الزوج على يد السائق ويشكره.. ينظر السائق في النقود، ثم يدسها في جيبه دون تعليق.. يدخل سيارته ويرمق المرأة التي تسير بخطوات متثاقلة.. يقول لها في صوت خافت:
ـ البقية في حياتك يا مدام
خطواتها تزداد ثقلًا.. تلتفت إلى الوراء ما زال الرجل يعود بسيارته للخلف.. مساحة الشارع لا تسمح له بالالتفات المباشر.. يسبقها الزوج بخطوات، ثم يدير رأسه إليها:
ـ مدي
النساء يخرجن من الدور.. يقفن في فضول ويتصعبن.. أيديهن تمتد لتعزيتها.. تمد يدها في ذهول ولا تنطق حرفًا وهن يمصمصن شفاههن:
ـ يا عيني يا بنتي ده حال الغريب
ـ تصدقي أمها دائمًا كانت تقول خايفة بنتي متشفناش لما نموت
ـ أصلها كانت طيبة وفيها شيء لله
ابنة عمها تتوسط المندبة.. أختها الصغري ترفع ذراعيها بالشال الأسود وتنادي أمها:
ـ حبيبتك جت يا أمي قومي أجري عليها زي العادة.. نادت باسمك كتير
في ذهول تسأل:
ـ هيه فاقت بعد ما مشيت؟
الجميع يفسح لها الطريق.. تخترق جموع النساء الباكيات، وتدخل.. زوجها يذهب إلى الرجال في المندرة الجانبية.. تدخل حجرتها.. اللحاف الحريري الأحمر يغطي جسد أمها.. تزيل الغطاء عن وجهها.. تندهش من نظرة الراحة والسماح عليه.. كانت أمنيتها الدائمة أن تموت طاهرة ومصلية.. والآن تموت في غيبوبة استمرت ثمانية أيام.. لم تتحقق كل أمنياتك يا أمي.. أمنية واحدة فقط هي التي تحققت.. ظلت تردد لرجل يدعي القسوة، ويخشي أن يظهر عنانه وعطفه.. يا رب يجعل يومي قبل يومك.. ها هو يومك يأتي يا أمي.. تري هل بكيت عليها يا أبي.. هل عوضتها يومًا عن قسوتك تجاهها.. حين كانت تغيب عند جدتها.. يظل يدخل ويخرج من حجرة لأخرى كطفل تركته أمه الآن.. يداوم السؤال:
ـ هيه أمكم قالت هتغيب؟
الفتيات الثلاث يجبن في نفس واحد:
ـ هتيجي ع المغرب
يعاود النظر في ساعته مرات ومرات.. والفتيات يدارين وجوههن ويبتسمن.. حين يوضع الطعام أمام يرفضه ويداري نظرة خجلي ويقول في صوت خافت
ـ لما أمكم تيجي هبقي آكل.
الآن ستأتي مغارب كثيرة ولن تعود إليك:
ـ المغسلة جاية..
تدخل المرأة الكفيفة تتحسس الطريق بعصاها.. تتعثر في عتبة الباب فتجري إليها.. تمسك بيديها وتجلسها على الكنبة بجانب السرير.. تطلب من أختها إعداد الماء الساخن.. وتساعدها المرأة على وضع الجسد المرن في "الطشت".. تردد الأدعية في صوت خافت وتحفظها ما ستقول وقت الحساب.. تدير الرأس نحو القبلة وتقول:
ـ ما شاء الله.. جسمها ولا العجين الخمران.. من عملها.. أصلي أمك دي بنت خير.. عمرها ما ردت حد..
كانت تنظر للمرأة التي تردد الأدعية وآيات القرآن ولا ترد.. تملأ الكوب بالماء الساخن وتكبه على ظهرها، ويد المرأة تدعك لها بالليفة المغموسة في الصابون.. بعد أن انتهت من غمر جسدها بالماء الساخن ضمت ساقيها إلى ركبتيها مرات عديدة وأمام دهشة البنت التي لم تعلنها:
ـ علشان ميبقاش في بطنها "ريح ولا فضلات" وتقابل ربها طاهرة.
لم تندهش من معرفة المرأة لنظرة الذهول على وجهها وقالت في نفسها كل العميان لديهم قدرات غير عادية.. همت أن تقول لها لا يمكن أن يكون في بطنها أي ريح أو فضلات لأنها كانت في غيبوبة، ولكنها صمتت في اللحظة الأخيرة.. نظرت إلى جسد أمها الطري وصمتت.. بعد أن انتهت المرأة من عملها لفتها في الكفن الأبيض ووضعت القطن في أذنيها وفمها.. حملت الجسد من بين يدي المرأة ووضعته على السرير، وغطته باللحاف الحريري الأحمر.. جلست تقرأ لها سورة يس والمرأة تنزل كميها، وتسوي ملابسها، وتستعد للرحيل.. ابن عمها يحمل الخشبة على كتفه ويتنحنح.. مدت يدها لتفرد الفستان الأسود الذي انزاح عن ساقيها، زوجها يساعده في إراحة الجسد.. انحنت لتكب ماء الغسل في الإناء الكبير.. وضعت الليفة والصابونة داخله.. ضغطت على شفتيها وهي ترفعه فوق رأسها.. سارت منتصبة تحته.. أفسح لها جمع النساء أمام الباب الطريق.. حاولت إحدي الجارات أخذ الإناء منها لكنها أصرت على حمله وهي تقول:
ـ محدش هيكب غسل أمي غيري
اتجهت للنهر.. لا تعرف ما هي الأسطورة التي تؤكد على سكب ماء الغسل في ماء جارٍ، ولكنها تثق في حدسها.. وفي الأصول الفرعونية لمعظم طقوس الغسل.. الطريق يطول.. وثقل الإناء فوق رأسها يؤلم ظهرها.. الصغار يلعبون على جانبي الطريق.. حين اقتربت.. وقفت على حافته، وانزلت الإناء إلى مستوي صدرها.. سكبت الماء المختلط بالصابون، صنع خطين متعرجين وسط الماء الرائق.. تشعر الآن أن أمها ماتت.. روحها تختلط بالماء الجاري، وتضيع.. مدت يدها لتمسح خطين من الدموع انحدرا ببطء، وعادت.
جاء صوت أختها كمن وضع حملًا ثقيلا ظل يحمله فترة طويلة، قالت بصوت حيادي تمامًا: أمك ماتت، ظلت صامتة لا ترد لبضع دقائق جعلت الأخت على الطرف الثاني من الهاتف تعتقد أنها تبكي فرددت لها بصوت أكثر حيادية:
ـ ارتاحت محدش شاف عذابها.
وضعت السماعة في هدوء.. كان زوجها يمشط للصغيرة شعرها.. نظر إليها نظرة تساءل، فانهارت بجانبه على الكرسي.. الصغيرة تنفلت من يد الزوج وتمسك بيدي أمها اللتين تغطي وجهها.. رفعت رأسها حين بدأت الصغيرة تبكي.. احتضنتها وتاهت في الفراغ.. زوجها يشعر بالارتباك ولا يجد كلمات يواسيها بها.. لقد عادت منذ ساعات بعد أن ظلت بجانبها ثمانية أيام.. وقفت على استحياء أمام أبيها وقالت له:
ـ هروح أجدد الإجازة وأرجع.
سؤال ظل يتردد في ذهنها.. أما كنتي قادرة يا أم على أن تفيقي لحظات حتى أر ي فيها عيونك لآخر مرة ؟، دست بعض الملابس لها ولزوجها في حقيبة صغيرة قررت ترك الصغيرة مع عمتها، سارت وسط ذهول جيرانها الذين تعاطفوا معها وبدءوا يرددون تعليقات سمعتها في صمت:
ـ السكينة سارقاها
ـ والله أمها كانت ست أميرة
ـ يا عيني هيتبهدلوا في نص الليل، مواصلات الصعيد صعبة
حاولت تذكر مواقف تجمعهما، لا شيء في الذاكرة، كل شيء باهت وبعيد، تأتيها صور غير مترابطة في عتمة الليل.. طوال عمرها العلاقة بينهما غير تقليدية، هي المرأة الضعيفة خالص، صورتها وهي تقف حائلًا بينها وبين أبيها وهو يهم بصفعها تحتل الكادر الآن.. صوتها الضعيف يحاول إقناعه بعدم الضغط عليها لتتزوج ابن أخيه.. يخشي عليها الجامعة.. والكتب التي لا تتركها من يدها.. والأفكار.. تحمس كثيرًا حين تفوقت في المدرسة.. لكن كلام أخوته عن مخاطر الغربة والسفر على البنات تربكه.. وهي تصر على أن يتقبل فكرة خروجهن وتعليمهن:
ـ ولادك متربيين وعاقلين
يد زوجها تربت على كتفها.. تفر بعيدًا حيث الجسد الذي تركته منذ ساعات.. حين اخترقت السيارة الطريق الترابي الذي طال على غير العادة كانت خيوط الضوء الأولى تبدد العتمة.. الرجال يخرجون للحقول.. صورهم تبدو ضبابية في غبشة الصبح.. تميز بعضهم وهم يتحدثون ويجرون وراءهم حيواناتهم.. البعض الآخر أسماءهم تضيع من ذاكرتها.. ولد صغير يقف أمام منزله يدعك عيونه ويشيع السيارة في نظرة لا تدل على شيء.. لنساء اللاتي يذهبن للسوق أو للحقل يرمقنها في أسي.. اقتربت من شارعهم نزلت تاركة الحقيبة لزوجها.. يشد الزوج على يد السائق ويشكره.. ينظر السائق في النقود، ثم يدسها في جيبه دون تعليق.. يدخل سيارته ويرمق المرأة التي تسير بخطوات متثاقلة.. يقول لها في صوت خافت:
ـ البقية في حياتك يا مدام
خطواتها تزداد ثقلًا.. تلتفت إلى الوراء ما زال الرجل يعود بسيارته للخلف.. مساحة الشارع لا تسمح له بالالتفات المباشر.. يسبقها الزوج بخطوات، ثم يدير رأسه إليها:
ـ مدي
النساء يخرجن من الدور.. يقفن في فضول ويتصعبن.. أيديهن تمتد لتعزيتها.. تمد يدها في ذهول ولا تنطق حرفًا وهن يمصمصن شفاههن:
ـ يا عيني يا بنتي ده حال الغريب
ـ تصدقي أمها دائمًا كانت تقول خايفة بنتي متشفناش لما نموت
ـ أصلها كانت طيبة وفيها شيء لله
ابنة عمها تتوسط المندبة.. أختها الصغري ترفع ذراعيها بالشال الأسود وتنادي أمها:
ـ حبيبتك جت يا أمي قومي أجري عليها زي العادة.. نادت باسمك كتير
في ذهول تسأل:
ـ هيه فاقت بعد ما مشيت؟
الجميع يفسح لها الطريق.. تخترق جموع النساء الباكيات، وتدخل.. زوجها يذهب إلى الرجال في المندرة الجانبية.. تدخل حجرتها.. اللحاف الحريري الأحمر يغطي جسد أمها.. تزيل الغطاء عن وجهها.. تندهش من نظرة الراحة والسماح عليه.. كانت أمنيتها الدائمة أن تموت طاهرة ومصلية.. والآن تموت في غيبوبة استمرت ثمانية أيام.. لم تتحقق كل أمنياتك يا أمي.. أمنية واحدة فقط هي التي تحققت.. ظلت تردد لرجل يدعي القسوة، ويخشي أن يظهر عنانه وعطفه.. يا رب يجعل يومي قبل يومك.. ها هو يومك يأتي يا أمي.. تري هل بكيت عليها يا أبي.. هل عوضتها يومًا عن قسوتك تجاهها.. حين كانت تغيب عند جدتها.. يظل يدخل ويخرج من حجرة لأخرى كطفل تركته أمه الآن.. يداوم السؤال:
ـ هيه أمكم قالت هتغيب؟
الفتيات الثلاث يجبن في نفس واحد:
ـ هتيجي ع المغرب
يعاود النظر في ساعته مرات ومرات.. والفتيات يدارين وجوههن ويبتسمن.. حين يوضع الطعام أمام يرفضه ويداري نظرة خجلي ويقول في صوت خافت
ـ لما أمكم تيجي هبقي آكل.
الآن ستأتي مغارب كثيرة ولن تعود إليك:
ـ المغسلة جاية..
تدخل المرأة الكفيفة تتحسس الطريق بعصاها.. تتعثر في عتبة الباب فتجري إليها.. تمسك بيديها وتجلسها على الكنبة بجانب السرير.. تطلب من أختها إعداد الماء الساخن.. وتساعدها المرأة على وضع الجسد المرن في "الطشت".. تردد الأدعية في صوت خافت وتحفظها ما ستقول وقت الحساب.. تدير الرأس نحو القبلة وتقول:
ـ ما شاء الله.. جسمها ولا العجين الخمران.. من عملها.. أصلي أمك دي بنت خير.. عمرها ما ردت حد..
كانت تنظر للمرأة التي تردد الأدعية وآيات القرآن ولا ترد.. تملأ الكوب بالماء الساخن وتكبه على ظهرها، ويد المرأة تدعك لها بالليفة المغموسة في الصابون.. بعد أن انتهت من غمر جسدها بالماء الساخن ضمت ساقيها إلى ركبتيها مرات عديدة وأمام دهشة البنت التي لم تعلنها:
ـ علشان ميبقاش في بطنها "ريح ولا فضلات" وتقابل ربها طاهرة.
لم تندهش من معرفة المرأة لنظرة الذهول على وجهها وقالت في نفسها كل العميان لديهم قدرات غير عادية.. همت أن تقول لها لا يمكن أن يكون في بطنها أي ريح أو فضلات لأنها كانت في غيبوبة، ولكنها صمتت في اللحظة الأخيرة.. نظرت إلى جسد أمها الطري وصمتت.. بعد أن انتهت المرأة من عملها لفتها في الكفن الأبيض ووضعت القطن في أذنيها وفمها.. حملت الجسد من بين يدي المرأة ووضعته على السرير، وغطته باللحاف الحريري الأحمر.. جلست تقرأ لها سورة يس والمرأة تنزل كميها، وتسوي ملابسها، وتستعد للرحيل.. ابن عمها يحمل الخشبة على كتفه ويتنحنح.. مدت يدها لتفرد الفستان الأسود الذي انزاح عن ساقيها، زوجها يساعده في إراحة الجسد.. انحنت لتكب ماء الغسل في الإناء الكبير.. وضعت الليفة والصابونة داخله.. ضغطت على شفتيها وهي ترفعه فوق رأسها.. سارت منتصبة تحته.. أفسح لها جمع النساء أمام الباب الطريق.. حاولت إحدي الجارات أخذ الإناء منها لكنها أصرت على حمله وهي تقول:
ـ محدش هيكب غسل أمي غيري
اتجهت للنهر.. لا تعرف ما هي الأسطورة التي تؤكد على سكب ماء الغسل في ماء جارٍ، ولكنها تثق في حدسها.. وفي الأصول الفرعونية لمعظم طقوس الغسل.. الطريق يطول.. وثقل الإناء فوق رأسها يؤلم ظهرها.. الصغار يلعبون على جانبي الطريق.. حين اقتربت.. وقفت على حافته، وانزلت الإناء إلى مستوي صدرها.. سكبت الماء المختلط بالصابون، صنع خطين متعرجين وسط الماء الرائق.. تشعر الآن أن أمها ماتت.. روحها تختلط بالماء الجاري، وتضيع.. مدت يدها لتمسح خطين من الدموع انحدرا ببطء، وعادت.