مقدمة

- لا تزال الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما تخطط لتقويض نظام الحكم الذي بزغ في مصر بإرادة شعبية عقب ثورة 30 يونيو الماضي التي أطاحت بنظام الحكم الإخواني التابع لأمريكا، رغم إدراكها بيقين أن الشعب المصري رافض لهذه الجماعة التي ثبت أنها منبع الإرهاب في العالم كله- تاريخا وواقعا – فضلا عن فشلها الزريع في إدارة دفة الحكم في مصر خلال العام الذي حكمت فيه مصر (عام 2012). كما ثبت وتأكد لأمريكا أيضا امتداد ووثوق العلاقة بين جماعة الإخوان ومنظمات إرهابية - كالقاعدة وداعش – تشكل تهديدا خطيرا للأمن الدولي، ورغم ذلك وبسبب عمق العلاقة بين أمريكا وجماعة الإخوان، رفضت إدارة واشنطن تصنيف الإخوان باعتبارهم جماعة إرهابية.
- ويعتبر التعاون "الأمريكي – الإخواني" ركيزة لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي ارسى ركائزه الرئيس الأمريكي السابق بوش عام 2003، ويعتمد على منظمات الإسلام السياسي في بلدان الشرق الأوسط في الوصول إلى الحكم بعد إزاحة الأنظمة الحاكمة فيما عرف بـ "الثورات الملوثة" عام 2010 بواسطة المجموعات الشبابية الثورية التي تم تربيتها في المؤسسات الاستخباراتية الأمريكية في فريدم هاوس، واوبتور بصربيا، وأكاديمية التغيير في لندن ثم بعد انتقالها إلى الدوحة، وانفقت عليهم مليارات الدولارات تحقيقا للأهداف الأمريكية والمتمثلة في بسط الهيمنة الأمريكية على دول المنطقة بعد إضافتها بإعادة تقسيمها عرفيا وطائفيا ومذهبيا، ومن خلال أساليب الفوضى الخلاقة – الجاري تنفيذها حاليا – وبواسطة أدواتها في منظمات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان وحلفائها في القاعدة وداعش وأنصار الشريقة وبيت المقدس.. وغيرهم المنتشرين في مصر وسوريا والعراق وليبيا ودول الخليج وشمال أفريقيا، وبمساعدة ودعم كل من قطر وتركيا، وحتى يتشكل في النهاية محوران دينيان يتناقلان في منطقة الشرق الأوسط.. الأول ما يطلق عليه الهلال الشيعي الذي يضم إيران وسوريا ولبنان والعراق ومناطق الشيعة دول الخليج وصولا إلى اليمن التي سيطر عليها الحوثيون بدعم ومساندة إيران، وصارت شوكة في ظهر وجنوب السعودية، كما تهدد العلاقة الدولية في مضيق باب المندب وقناة السويس. أما المحور الثاني ويطلق عليه القوس السني ويضم مصر والسعودية وبلدان المغرب العربي والسودان، في أن يظل المحوران في صراعات دموي مستمرة، وبما ينهك بلدان المحورين ويجعلهما في حاجة إلى دعم ومساندة أمريكا وبالتالي التحكم في واقعهم ومستقبلهم ومصائرهم، ويؤمن لإسرائيل تحقيق هدفها القومي بأن تكون القوة الإقليمية العظمى الوحيدة والمسيطرة والمهيمنة على المنطقة، وصولا إلى إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
- ويعتبر التعاون "الأمريكي – الإخواني" ركيزة لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي ارسى ركائزه الرئيس الأمريكي السابق بوش عام 2003، ويعتمد على منظمات الإسلام السياسي في بلدان الشرق الأوسط في الوصول إلى الحكم بعد إزاحة الأنظمة الحاكمة فيما عرف بـ "الثورات الملوثة" عام 2010 بواسطة المجموعات الشبابية الثورية التي تم تربيتها في المؤسسات الاستخباراتية الأمريكية في فريدم هاوس، واوبتور بصربيا، وأكاديمية التغيير في لندن ثم بعد انتقالها إلى الدوحة، وانفقت عليهم مليارات الدولارات تحقيقا للأهداف الأمريكية والمتمثلة في بسط الهيمنة الأمريكية على دول المنطقة بعد إضافتها بإعادة تقسيمها عرفيا وطائفيا ومذهبيا، ومن خلال أساليب الفوضى الخلاقة – الجاري تنفيذها حاليا – وبواسطة أدواتها في منظمات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان وحلفائها في القاعدة وداعش وأنصار الشريقة وبيت المقدس.. وغيرهم المنتشرين في مصر وسوريا والعراق وليبيا ودول الخليج وشمال أفريقيا، وبمساعدة ودعم كل من قطر وتركيا، وحتى يتشكل في النهاية محوران دينيان يتناقلان في منطقة الشرق الأوسط.. الأول ما يطلق عليه الهلال الشيعي الذي يضم إيران وسوريا ولبنان والعراق ومناطق الشيعة دول الخليج وصولا إلى اليمن التي سيطر عليها الحوثيون بدعم ومساندة إيران، وصارت شوكة في ظهر وجنوب السعودية، كما تهدد العلاقة الدولية في مضيق باب المندب وقناة السويس. أما المحور الثاني ويطلق عليه القوس السني ويضم مصر والسعودية وبلدان المغرب العربي والسودان، في أن يظل المحوران في صراعات دموي مستمرة، وبما ينهك بلدان المحورين ويجعلهما في حاجة إلى دعم ومساندة أمريكا وبالتالي التحكم في واقعهم ومستقبلهم ومصائرهم، ويؤمن لإسرائيل تحقيق هدفها القومي بأن تكون القوة الإقليمية العظمى الوحيدة والمسيطرة والمهيمنة على المنطقة، وصولا إلى إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

- ولقد جاء التصريح الأخير– في 8 مارس الماضي– لمستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني – كاشفا للدور الإيراني في هذا المخطط الأمريكي، حيث قال: "إن إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهى مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي"، وذلك في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق "وكان وذلك خلال منتدى الهوية الإيرانية" بطهران قبل ذلك بيومين، والتي قال فيها أيضا "إن جغرافيا إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا أما أن نقاتل معا أو نتحد". ثم هاجم كل معارض النفوذ الإيراني في المنطقة، معتبرا أن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية"، قائلا: "سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءًا من بلادنا إيران، وسنقف وجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية.
- وبغض النظر عما تحمله هذه التصريحات من استفزاز وغرور وتبجح للدول العربية ذات المذهب السني، مما يستوجب التصدي لها، إلا أنها تكشف كثيرا عن مشاركة إيران في المخطط الأمريكي المشار إليه آنفا حول مستقبل المنطقة وإعادة ترسيم خرائط دولها، وتشكيل الهلال الشيعي في مواجهة القوس السني، ويفسر أيضًا كثيرًا مما يجري الآن في العراق، حيث يتوالى الجنرال قاسم سليماني قائد القدس في الحرس الثوري الإيراني في إدارة العمليات في داخل العراق ضد داعش، بعد أن سقط الجنوب العراقي كله في براثن السيطرة الإيرانية، وأصبح معظم اليمن في براثن الحوثيين الذين ترعاهم إيران، ويسعون إلى تشكيل حرس ثوري يمني أشبه بالحرس الثوري الإيراني، وهو ما كشف عنه الرئيس اليمني هادي منصور الذي عزله الحوثيون في منصبه وفر من صنعاء إلى عدن بعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة، ويسعون إلى نقل المعركة إلى عدن.
- ومن البديهي أن الولايات المتحدة هي التي سمحت بهذا التمدد الإيراني في ظل ضعف الدول العربية لابتلاع المنطقة بين أمريكا وإيران، وهو ما كشف عنه بوضوح أعضاء في الكونجرس الأمريكي عندما انتقدوا سياسة أوباما في التفاوض مع إيران في المسألة النووية، وتقديم تنازلات عديدة لإيران يسمح لها باستخدام عمليات التخصيب، ورفع عمليات العقوبات الاقتصادية عنها، وبما يؤكد وجود صفقة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية تربط بين استمرار البرنامج النوي الإيراني ورفع العقوبات والتمدد الإيراني في المنطقة ومحاربة داعش.
- وبغض النظر عما تحمله هذه التصريحات من استفزاز وغرور وتبجح للدول العربية ذات المذهب السني، مما يستوجب التصدي لها، إلا أنها تكشف كثيرا عن مشاركة إيران في المخطط الأمريكي المشار إليه آنفا حول مستقبل المنطقة وإعادة ترسيم خرائط دولها، وتشكيل الهلال الشيعي في مواجهة القوس السني، ويفسر أيضًا كثيرًا مما يجري الآن في العراق، حيث يتوالى الجنرال قاسم سليماني قائد القدس في الحرس الثوري الإيراني في إدارة العمليات في داخل العراق ضد داعش، بعد أن سقط الجنوب العراقي كله في براثن السيطرة الإيرانية، وأصبح معظم اليمن في براثن الحوثيين الذين ترعاهم إيران، ويسعون إلى تشكيل حرس ثوري يمني أشبه بالحرس الثوري الإيراني، وهو ما كشف عنه الرئيس اليمني هادي منصور الذي عزله الحوثيون في منصبه وفر من صنعاء إلى عدن بعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة، ويسعون إلى نقل المعركة إلى عدن.
- ومن البديهي أن الولايات المتحدة هي التي سمحت بهذا التمدد الإيراني في ظل ضعف الدول العربية لابتلاع المنطقة بين أمريكا وإيران، وهو ما كشف عنه بوضوح أعضاء في الكونجرس الأمريكي عندما انتقدوا سياسة أوباما في التفاوض مع إيران في المسألة النووية، وتقديم تنازلات عديدة لإيران يسمح لها باستخدام عمليات التخصيب، ورفع عمليات العقوبات الاقتصادية عنها، وبما يؤكد وجود صفقة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية تربط بين استمرار البرنامج النوي الإيراني ورفع العقوبات والتمدد الإيراني في المنطقة ومحاربة داعش.
أوباما يرسي حجر أساس تفويض مصر

- في مقالي بتاريخ 2 مارس 2015 تحت عنوان "الإخوان المسلمون يتخططون من أمريكا وقطر وتركيا بتقويض مصر وسوريا: من كوسوفو إلى الدولة الإسلامية "داعش" Muslim Brotherhood designs of America, Qatar and Turkey in Egypt and Syria: Kosovo to ISIS
بقلم: bautros Hussein – leeyay walker – noriko watanabe
ونشرته صحيفة مودرن طوكيو تايمز، ذكر كتاب المقال ما نصه: "الرئيس أوباما أرسى حجر أساس تقويض مصر ينهض على مخططات تشارك فيها الإخوان المسلمين للسيطرة على المشهد السياسي وجميع أنحاء المنطقة الشاسعة وأن مخططات واشنطن لمنظمات الإسلام السياسي، يشاركها في الرؤية كل من قطر وتركيا وجماعة الإخوان.
وفي إطار الاحداث الجارية تبدو واشنطن وحليفتها جماعة الإخوان يشتركان في رؤية ضرورة الهيمنة على منطقة متسعة تشمل مصر وليبيا وسوريا وتونس. وأن تركيا تحت حكم أردوغان ستدعم هذا الحلم، وبالاستعادة من أموال قطر. إى أن القوى الحاكمة في سوريا تحت رئاسة بشار الأسد، وظهور الرئيس عبدالفتاح السيسي في مصر، عرقل تنفيذ هذا المشروع".
- ثم أشار المقال إلى أن هذه الخطة الكبيرة انبثقت داخل اروقة النخب السياسية "انقرة والدوحة وواشنطن في عهد أوباما، وأن بريطانيا ستستفيد منها نتيجة علاقاتها مع جماعة الإخوان في تونس "حزب النهضة"، فضلا عن باقي قواعد جماعة الإخوان المنتشرة على كل الساحة العالمية – ولذلك ركزت إدارة أوباما جهودها على العمل عن قرب وبثبات مع الإسلام السياسي. ثم أوضح المقال أن إدارة أوباما سارت خطوة أبعد من الإدارات الأمريكية السابقة، حيث من الثابت والمؤكد أن تدخل أمريكا وحلفائها في أفغانستان والعراق نيليا.. كل ذلك أدى إلى صعود ونمو تنظيمات الإسلام السياسي المنادية بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية على كل المستويات، وهو نفس المنهج الأمريكي الذي دعم تنفيذ قوانين الشريعة الإسلامية في السودان عقد الثمانينات، واعتبر نظام حكم السودان آنذاك (برئاسة جعفر النميري) الأفارقة غير المسلمين أحل ذمة (وهو ما أدى لاحقا إلى انفصال جنوب السودان باعتبار معظم سكانه مسيحين).
- كما سلط المقال الضوء على تأثيرات ونفوذ جماعة الإخوان على إدارة أوباما منذ أوائل عام 2013، وهو ما كشف عنه تحقيق عن الإرهاب أعدته مجلة روزاليوسف في مصر في 22 ديسمبر، وترجمة للإنجليزية حول ما أطلق عليه " الشروع التحقيقي عن الإرهاب" investigative project on terrorism، حيث كشف عن وجود ست شخصيات إخوانية يعلملون داخل البيت الأبيض، أحالوه من موقع معادي للجماعات والمنظمات الإسلامية المتطرفة في العالم إلى أكبر وأهم المواقع المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين، وحدد التقرير أسماءهم وهم: عارف عليخان (مساعد وزير الأمن الداخلي لتطوير السياسات)، محمد علبياري (عضو المجلي الاستشاري لوزير الداخلية)، راشد حسين (المبعوث الآمريكي الخاص لمنظمة المؤتمر الإسلامي، سلام المراياتي (المؤسس المشارك لمجلس الشئون العأمة الإسلامية MPAC)، والإمام محمد ماجد (رئيس الجمعية الإسلامية في أمريكا الشمالية ISNA)، وإيبوباتيل (عضو المجلس الاستشاري للرئيس أوباما حول شراكات الجوار القائمة على الإيمان).
- تم كشف المقال عن المؤامرات التي تحيكها أمريكا بالتعاون مع جماعة الإخوان ضد مصر، والمستمرة في هذا العام (2015)، وذلك على أساس الدعوة التي وجهتها إدارة أوباما لوفد من جماعة الإخوان لزيارة مواقع السلطة الآمريكية في واشنطن. وقد أثيرت مرة أخرى تقارير المشروع التحقيقي عن الإرهاب "IPT"، حيث طلب وفد الإخوان مساعدة الإدارة الأمريكية في استعادة الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان مواقعهم إلى السلطة في مصر. في ذات الوقت الذي شكل فيه برلمانيون ووزراء قضاة من الإخوان في عهد مرسي ما اطلقوا عليه "المجلس الثوري" المصري في إسطنبول، وكان ذلك في أغسطس الماضي بهدف إسقاط الحكومة العسكرية في مصر، على أن يكون مركزه بجينيف في سويسرا. أما أعضاء الوفد الإخواني الذي زار واشنطن بعد ضم عبدالموجود درديري وجمال حشمت.. (وكلاهما كانا عضوان في برلمان الإخوان 2012).
- وانتقد المقال سلوك إدارة أوباما، والتي رغم تورط الإخوان وحلفائهم في مهاجمة المسيحيين الأقباط في مصر، وحرق كنائسهم، فلا تزال الإدارة الأمريكية ترحب بهذه المنظمة كما أن القادة السياسيين في أمريكا يدركون تماما أن الإخوان المسلمين يتعاملون سرا مع منظمات إسلامية متطرفة أخرى تمارس الإرهاب في سيناء وجميع أنحاء مصر.
فضلا عن علاقة الإخوان الوثيقة مع حركة حماس المتشددة في قطاع غزة، والتي تسعى بدورها لزعزعة الاستقرار في سيناء وبالمثل في ليبيا أيضًا توجد عناصر لجماعة الإخوان وتنظيم داعش وجماعات إسلامية متطرفة أخرى تسعى إلى الاستيلاء على السلطة هناك ولتشكل ضجرا في قلب مصر. وكما هاجم الإخوان الكنائس المسيحية في مصر، فإن عناصر داعش يقومون الآن بذبح المسيحين المصريين في ليبيا.
- ثم انتقل المقال بعد ذلك إلى منطقة البلقان، ورغم كل الدعاية غير الصحيحة، فإن التاريخ القريب والواقع يؤكد أن الثلاث حروب التي نشبت في أوروبا في العقود الأخيرة اشتبك فيها المسيحين الأرثوذوكس والمسلمين في البوسنة وقبرص وأيضا في كوسوفو. وقد أكدت محصلة هذه الحروب أن أنقرة وتركيا كانتا لهما مصالح مشتركة في هذه الحروب. وهو ما يعني أن مسلمي تركيا يسعون إلى ابتلاع أجزاء من قبرص. وبالمثل فإن كوسوفو ستنتزع من صربيا برغم أن هذا الجزء من صربيا بعيد بمثابة (القدس) للأمة الصربية. لذلك فمع إدارة أوباما التي تفضل جماعة الإخوان في مصر، من الواضح أن شيئا لن يتغير بشأن أسلمة كلا جانبي البحر المتوسط، وهذا هو ملخص سياسات واشنطن. وبمعنى آخر ستستمر داعش في قتل المسيحين والشيعة والشبك، بينما يقوم المعادون للمسيحية في شمال قبرص وكوسوفو بالحصول على مساندة أنقرة وواشنطن. هذا في ذات الوقت الذي يتعرض له المسلمين المعتدلين والمسيحين لتهديدات من قبل القوى التكفيرية الهمجية التي تدعمها بعض قوى الخليج وحلف الناتو.
- وعلى عكس أجندة أنقرة وواشنطن المتفقة بشأن الموقف في البلقان، فإنه من الملاحظ أن موقف الناتو ودول الخليج مختلفا بشأن حالة عدم الاستقرار في مصر وليبيا وسوريا، حيث تختلف الاعتبارات الدينية والجيوبوليتيكية، ويسود الانقسام ليبيا في الداخل، وتقوم قوى خارجية بدعم قوتين متصارعتين هناك. وبالمثل فإن المؤامرات الخارجية ضد سوريا تلقى الضوء على الانقسامات الدينية والعرفية كأسباب للصراع، بسبب تواجد عدة مجموعات إرهابية إسلامية وعلمانية يجري مساعدتها بواسطة قوى خارجية ذات أهداف مختلفة. إلا أن العامل المشترك الذي يربط دول الناتو مع دول الخليج (خاصة إيران) هو عدم تورعهم عن تحويل بعض دول المنطقة 40 دولة فاشلة.
وإذا كان مفهوم الدولة الفاشلة ينطبق اليوم على كل من أفغانستان وليبيا أو العراق. وليس مفاجأة أن الحكومة السورية رفضت أن تسلم الدولة إلى قوى خارجية تساعد على إثارة الفوضى وعدم الاستقرار. كما أن بزوغ نجم السيسي على الساحة السياسية في مصر كان سببا في رفض التفريط في وحدة وسيادة الأمة المصرية إلى اللاعبين في الخارج.
- وإذا كانت الولايات المتحدة وتركيا بإمكانهما في البلقان أن يطوعا بسهولة الأمم المسيحية الأرثوذوكسية، لتماثل النظام السياسي في كل من قبرص وصربيا، فإنه بالمثل أمكن القوة العسكرية الأمريكية أن تدمر الجيوش التقليدية والبنية الأساسية في كل من صربيا بواسطة القصف الجوي للناتو تحت إشراف أمريكا. وبريطانيا عام 1999، وأيضا في العراق عام 2003، حيث أمكن للتحالف العسكري الدولي الذي قادته أمريكا آنذاك أن يدمر الجيش العراقي وبنية العراق الأساسية في هذه الحرب. ولقد ثبت أن أمريكا ليست مستعدة ولا ناجحة في خوض حروب العصابات والتمردات الداخلية، ولذلك فإن سياسات أمريكا وتركيا تجاه البلقان الإسلامي أسفرت عن عزل المسيحيين الارثوذوكس في معازل (جيتوات)، ومحو كامل للثقافة الوطنية.
- وحتى اليوم، فإنه في العراق وليبيا ومصر وسوريا توجد دول ذات ثقل اقليمي، إلا أن قوى الناتو (ومنه تركيا) لديها أهداف مختلفة تتعارض مع مصالح وأهداف دول المنطقة. وهذه الحقيقة هي التي تعرقل تحقيق حلم الإخوان المسلمين في الاعتماد على أمريكا وقطر وتركيا في الحصول إلى السلطة، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في تماسك النظام السوري والتفاف المصريين المتنامي حول السيسي. – لذلك.. وبينما لا تتورع أمريكا وقطر وتركيا عن العمل على زعزعة الاستقرار في ليبيا وسوريا، فإن المصالح المتعارضة بين كثير من الدول في المنطقة تساعد على نشوب ثورات مضادة داخلها، لذلك فإن الجهد التي تبذله النخب الحاكمة والسياسية في سوريا ومصر للقضاء على الثورات المضادة إنما يرجع إلى حرصها على عدم تحول بلديهما إلى دول فاشلة.
- ومن الملاحظ أيضا أن بروز تنظيم داعش بقوة في العراق قد جرى بعد أن سحبت إدارة أوباما القوات الأمريكية من هناك. كما أن حالة عدم الاستقرار في سوريا هي التي مكنت داعش وتنظيم النصرة وغيرهما من المنظمات التكفيرية والعراقية من الظهور والاشتباك في الحرب الأهلية الجارية هناك. بينما هذا يحدث فإن جماعة الإخوان في سوريا صارت اداة طيعة في ايدي إدارة أوباما لتحقيق مشروعها الشرق الأوسط الجديد، والذي تلقى دفعة بنتيجة الاضطرابات التي دعمتها كل من قطر وتركيا في بلدان المنطقة. ورغم أن السعودية وباقي دل الخليج لا يساندون نظام الأسد في سوريا، فإن نفس هذه الدول الخليجية تختلف مع أمريكا وقطر وتركيا في موقفها تجاه مصر، حيث لا ترغب هذه الدول الخليجية أن تسيطر جماعة الإخوان على السلطة في مصر والأردن.
- أن الأزمة الأخيرة في ليبيا تلقى الضوء على رغبة مصر في تضييق الخناق على القوى الإرهابية والتكفيرية التي تسعى إلى تحويل هذه البلد إلى خنجر موجه لقلب مصر ودول المنطقة. وقد برز ذلك في الضربات الجوية التي شنتها مصر ضد قواعد داعش في ليبيا بعد المذبحة التي ارتكبها هذا التنظيم الإرهابي بذبح 21 قبطي مصري هناك. وبينما ترغب مصر في أن يساند المجتمع الدولي القوى غير الإسلامية في ليبيا، ومقاتلة مختلف الجماعات الإرهابية هناك، فإنه الملاحظ أن هذه الرغبة المصرية قوبلت بالصمت من أمريكا وقطر وتركيا. وعليه وبينما تستمر واشنطن في التعامل مع العناصر التابعة للإسلام السياسي، وتعزل نفسها عن الأزمة الناشبة في ليبيا، فإنها رأي واشنطن – لا تزال متورطة في اثارة الاضطرابات داخل مصر.
- وفي نفس الوقت، فإن كل من أمريكا وقطر وتركيا قد ثبت انهم وراء تشكيل وتدريب قوة إرهابية عرقية جديدة للعمل ضد سوريا. هذا رغم إدراك جميع الاقليات لحقيقة أنها ستواجه اضطهادا منهجيا إذا ما تمكنت إحدى الحركات الإسلامية من الاطاحة بالنظام السياسي القائم حاليا في سوريا.
- وبمعنى آخر، فإن انقرة والدوحة وواشنطن.. جميعا يسعون لامتصاص الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثلما فعلوا في البلقان من قبل.. وذلك من أجل إعادة تشكيل المنطقة على أساس أطماعهم الجيوبوليتيكية، ولذلك ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإن هذه الدول تعمل من أجل تمكين جماعة الإخوان من حكم بلدان المنطقة لتكون اداتهم في ذلك.
- أن الإسلام الاصولي، مثل المسيحية الارثوذكسية في شمال قبرص وكوسوفو.. لا تعني الا القليل بالنسبة لأمريكا وقطر وتركيا عندما يصل الأمر إلى المصالح والاعتبارات الجيواستراتيجية، هذه الحقيقة تعني أن سعي هذه الدول الثلاث للاستفادة بالإسلام السياسي قائم على أساس فعاليات وطموحات الإخوان المسلمين في مختلف بلدان شمال أفريقيا والشام. ولذلك فإن مصر وسوريا يعتبران في الخط الامامي يحافظان على استقلالهما في مواجهة مخططات الشرق الأوسط الجديد، وأيضا في مواجهة إرهاب داعش المرتبط مع قطر وتركيا المعروف جيدا، لذلك فإن المخاوف السائدة في مصر أن الدول الخارجية تتعامل مع القوى التكفيرية بنفس المستوى الذي تتعامل به مع حكومات المنطقة، وهو ما يبرز في تعامل هذه الدول الخارجية مع القوى السياسية والإرهابية في سوريا.
إخوان أمريكا يدخلون مرحلة الانتقام في مصر
- كشف مركز (كلاريون) المتخصص في قضايا الإرهاب، أن الإخوان اصبحوا الآن في رحلة الانتقام، ونقل المركز دعوات اشرف عبدالغفار – القيادي الإخواني المقيم بتركيا – عبر المحطات التليفزيونية" إلى الانتقام والتحريض على أعمال العنف، واستخدام كل الوسائل في مصر من أجل محاولة التخلص من الرئيس عبدالفتاح السيسي واعادة حكم الإخوان إلى البلاد. كما نقل المركز أيضا تصريحات – المذيع الإخواني – الذي يقول فيها "لقد حان الوقت لبدء الكفاح المسلح". ووفقا للمركز فإن أوباما يجري مؤخرّا اجتماعات خاصة مع كبار القادة الأمريكيين التابعين للإخوان في جلسات مغلقة مع كبار مستشاريه ومسئولي الخارجية الأمريكية وعدد من أعضاء الكونجرس لبحث التعاون بين الولايات المتحدة والإخوان لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة ومنها الكفاح المسلح.
ورأى المركز أن جماعة الإخوان كان امامها خياران، هما أن تنتهج الطريق الديمقراطي وبتعاون كأي جماعة معارضة داخل الدولة، تحترم قواعد اللعبة السياسية من هزيمة وفوز، أو أن تنتهج الكفاح المسلح، ولكنها اختارت الأخير.
- وفي السياق ذاته، أصدر موقع (بريتيارت) الأمريكي تعزيزا قال فيه أن نحو 14 من قادة التنظيمات الأمريكية التر تربطها علاقات وثيقة بتنظيم الإخوان، اجتمعوا مع الإدارة الأمريكية بالبيت الأبيض في الأسبوع الأول من فبراير الماضي وكان من بينهم أعضاء من المنظمات التي وضعتها الإمارات على قوائم التنظيمات الإرهابية –مثل (اسنا) –والتي تأسست في عام 1981 من قبل الإخوان في أمريكا، والمعروفة بعلاقته مع حماس والطلبة الايرانين في الولايات المتحدة. وأضاف الموقع أن ممثلين عن منظمة (كير) أيضا كانوا في الاجتماع وهم من المتهمين بتمويل العمليات الإرهابية. وكانت هدى الشيشتاوي رئيسة منظمة MPAC المعروفة بعلاقتها بالإخوان في مصر، ضمن الوفد الذي طلب من الرئيس أوباما عدم تسمية حزب الله وحماس كمنظمات إرهابية، وقد حضر الاجتماع كبار مستشاري البيت الأبيض وعلى رأسهم رودس وفاليري جاريت.. وتساءل الموقع: لمإذا لا يزال الرئيس أوباما نصيرا للإخوان والمنظمات التابعة لهم والتعامل معها على انها كيانات سياسية مشروعة ؟!
- وكان محمد سودان –المتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة المنحل قد طرح سيناريو لتغيير النظام في مصر عبر تدخل الولايات المتحدة، يتضمن الاطاحة بالرئيس السيسي ثم الإفراج عن جميع المحتجزين وعلى رأسهم محمد مرسي وعودته إلى السلطة. وزعم في مداخلة هاتفية مع قناة الشرق التي تبث من تركيا أن إذا ارادت الولايات المتحدة أن تعيد ما اسماه الهدوء إلى الشارع المصري وللمنطقة فالسيناريو المحتمل هو أن تطيح بالسيسي وقال أن ذلك سوف يعقبه ظهور المجلس العسكري للمطالبة بفترة انتقالية قبل الإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم مرسي، على أن يعدوا بعوته بعد فترة انتقالية. وفي موقعه أكد أن هذا السيناريو المحتمل يمكن أن تقوم به الإدارة الأمريكية، وهو ما يؤكد عمالة جماعة الإخوان وكل فصائل الإسلام السياسي للولايات المتحدة.
بقلم: bautros Hussein – leeyay walker – noriko watanabe
ونشرته صحيفة مودرن طوكيو تايمز، ذكر كتاب المقال ما نصه: "الرئيس أوباما أرسى حجر أساس تقويض مصر ينهض على مخططات تشارك فيها الإخوان المسلمين للسيطرة على المشهد السياسي وجميع أنحاء المنطقة الشاسعة وأن مخططات واشنطن لمنظمات الإسلام السياسي، يشاركها في الرؤية كل من قطر وتركيا وجماعة الإخوان.
وفي إطار الاحداث الجارية تبدو واشنطن وحليفتها جماعة الإخوان يشتركان في رؤية ضرورة الهيمنة على منطقة متسعة تشمل مصر وليبيا وسوريا وتونس. وأن تركيا تحت حكم أردوغان ستدعم هذا الحلم، وبالاستعادة من أموال قطر. إى أن القوى الحاكمة في سوريا تحت رئاسة بشار الأسد، وظهور الرئيس عبدالفتاح السيسي في مصر، عرقل تنفيذ هذا المشروع".
- ثم أشار المقال إلى أن هذه الخطة الكبيرة انبثقت داخل اروقة النخب السياسية "انقرة والدوحة وواشنطن في عهد أوباما، وأن بريطانيا ستستفيد منها نتيجة علاقاتها مع جماعة الإخوان في تونس "حزب النهضة"، فضلا عن باقي قواعد جماعة الإخوان المنتشرة على كل الساحة العالمية – ولذلك ركزت إدارة أوباما جهودها على العمل عن قرب وبثبات مع الإسلام السياسي. ثم أوضح المقال أن إدارة أوباما سارت خطوة أبعد من الإدارات الأمريكية السابقة، حيث من الثابت والمؤكد أن تدخل أمريكا وحلفائها في أفغانستان والعراق نيليا.. كل ذلك أدى إلى صعود ونمو تنظيمات الإسلام السياسي المنادية بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية على كل المستويات، وهو نفس المنهج الأمريكي الذي دعم تنفيذ قوانين الشريعة الإسلامية في السودان عقد الثمانينات، واعتبر نظام حكم السودان آنذاك (برئاسة جعفر النميري) الأفارقة غير المسلمين أحل ذمة (وهو ما أدى لاحقا إلى انفصال جنوب السودان باعتبار معظم سكانه مسيحين).
- كما سلط المقال الضوء على تأثيرات ونفوذ جماعة الإخوان على إدارة أوباما منذ أوائل عام 2013، وهو ما كشف عنه تحقيق عن الإرهاب أعدته مجلة روزاليوسف في مصر في 22 ديسمبر، وترجمة للإنجليزية حول ما أطلق عليه " الشروع التحقيقي عن الإرهاب" investigative project on terrorism، حيث كشف عن وجود ست شخصيات إخوانية يعلملون داخل البيت الأبيض، أحالوه من موقع معادي للجماعات والمنظمات الإسلامية المتطرفة في العالم إلى أكبر وأهم المواقع المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين، وحدد التقرير أسماءهم وهم: عارف عليخان (مساعد وزير الأمن الداخلي لتطوير السياسات)، محمد علبياري (عضو المجلي الاستشاري لوزير الداخلية)، راشد حسين (المبعوث الآمريكي الخاص لمنظمة المؤتمر الإسلامي، سلام المراياتي (المؤسس المشارك لمجلس الشئون العأمة الإسلامية MPAC)، والإمام محمد ماجد (رئيس الجمعية الإسلامية في أمريكا الشمالية ISNA)، وإيبوباتيل (عضو المجلس الاستشاري للرئيس أوباما حول شراكات الجوار القائمة على الإيمان).
- تم كشف المقال عن المؤامرات التي تحيكها أمريكا بالتعاون مع جماعة الإخوان ضد مصر، والمستمرة في هذا العام (2015)، وذلك على أساس الدعوة التي وجهتها إدارة أوباما لوفد من جماعة الإخوان لزيارة مواقع السلطة الآمريكية في واشنطن. وقد أثيرت مرة أخرى تقارير المشروع التحقيقي عن الإرهاب "IPT"، حيث طلب وفد الإخوان مساعدة الإدارة الأمريكية في استعادة الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان مواقعهم إلى السلطة في مصر. في ذات الوقت الذي شكل فيه برلمانيون ووزراء قضاة من الإخوان في عهد مرسي ما اطلقوا عليه "المجلس الثوري" المصري في إسطنبول، وكان ذلك في أغسطس الماضي بهدف إسقاط الحكومة العسكرية في مصر، على أن يكون مركزه بجينيف في سويسرا. أما أعضاء الوفد الإخواني الذي زار واشنطن بعد ضم عبدالموجود درديري وجمال حشمت.. (وكلاهما كانا عضوان في برلمان الإخوان 2012).
- وانتقد المقال سلوك إدارة أوباما، والتي رغم تورط الإخوان وحلفائهم في مهاجمة المسيحيين الأقباط في مصر، وحرق كنائسهم، فلا تزال الإدارة الأمريكية ترحب بهذه المنظمة كما أن القادة السياسيين في أمريكا يدركون تماما أن الإخوان المسلمين يتعاملون سرا مع منظمات إسلامية متطرفة أخرى تمارس الإرهاب في سيناء وجميع أنحاء مصر.
فضلا عن علاقة الإخوان الوثيقة مع حركة حماس المتشددة في قطاع غزة، والتي تسعى بدورها لزعزعة الاستقرار في سيناء وبالمثل في ليبيا أيضًا توجد عناصر لجماعة الإخوان وتنظيم داعش وجماعات إسلامية متطرفة أخرى تسعى إلى الاستيلاء على السلطة هناك ولتشكل ضجرا في قلب مصر. وكما هاجم الإخوان الكنائس المسيحية في مصر، فإن عناصر داعش يقومون الآن بذبح المسيحين المصريين في ليبيا.
- ثم انتقل المقال بعد ذلك إلى منطقة البلقان، ورغم كل الدعاية غير الصحيحة، فإن التاريخ القريب والواقع يؤكد أن الثلاث حروب التي نشبت في أوروبا في العقود الأخيرة اشتبك فيها المسيحين الأرثوذوكس والمسلمين في البوسنة وقبرص وأيضا في كوسوفو. وقد أكدت محصلة هذه الحروب أن أنقرة وتركيا كانتا لهما مصالح مشتركة في هذه الحروب. وهو ما يعني أن مسلمي تركيا يسعون إلى ابتلاع أجزاء من قبرص. وبالمثل فإن كوسوفو ستنتزع من صربيا برغم أن هذا الجزء من صربيا بعيد بمثابة (القدس) للأمة الصربية. لذلك فمع إدارة أوباما التي تفضل جماعة الإخوان في مصر، من الواضح أن شيئا لن يتغير بشأن أسلمة كلا جانبي البحر المتوسط، وهذا هو ملخص سياسات واشنطن. وبمعنى آخر ستستمر داعش في قتل المسيحين والشيعة والشبك، بينما يقوم المعادون للمسيحية في شمال قبرص وكوسوفو بالحصول على مساندة أنقرة وواشنطن. هذا في ذات الوقت الذي يتعرض له المسلمين المعتدلين والمسيحين لتهديدات من قبل القوى التكفيرية الهمجية التي تدعمها بعض قوى الخليج وحلف الناتو.
- وعلى عكس أجندة أنقرة وواشنطن المتفقة بشأن الموقف في البلقان، فإنه من الملاحظ أن موقف الناتو ودول الخليج مختلفا بشأن حالة عدم الاستقرار في مصر وليبيا وسوريا، حيث تختلف الاعتبارات الدينية والجيوبوليتيكية، ويسود الانقسام ليبيا في الداخل، وتقوم قوى خارجية بدعم قوتين متصارعتين هناك. وبالمثل فإن المؤامرات الخارجية ضد سوريا تلقى الضوء على الانقسامات الدينية والعرفية كأسباب للصراع، بسبب تواجد عدة مجموعات إرهابية إسلامية وعلمانية يجري مساعدتها بواسطة قوى خارجية ذات أهداف مختلفة. إلا أن العامل المشترك الذي يربط دول الناتو مع دول الخليج (خاصة إيران) هو عدم تورعهم عن تحويل بعض دول المنطقة 40 دولة فاشلة.
وإذا كان مفهوم الدولة الفاشلة ينطبق اليوم على كل من أفغانستان وليبيا أو العراق. وليس مفاجأة أن الحكومة السورية رفضت أن تسلم الدولة إلى قوى خارجية تساعد على إثارة الفوضى وعدم الاستقرار. كما أن بزوغ نجم السيسي على الساحة السياسية في مصر كان سببا في رفض التفريط في وحدة وسيادة الأمة المصرية إلى اللاعبين في الخارج.
- وإذا كانت الولايات المتحدة وتركيا بإمكانهما في البلقان أن يطوعا بسهولة الأمم المسيحية الأرثوذوكسية، لتماثل النظام السياسي في كل من قبرص وصربيا، فإنه بالمثل أمكن القوة العسكرية الأمريكية أن تدمر الجيوش التقليدية والبنية الأساسية في كل من صربيا بواسطة القصف الجوي للناتو تحت إشراف أمريكا. وبريطانيا عام 1999، وأيضا في العراق عام 2003، حيث أمكن للتحالف العسكري الدولي الذي قادته أمريكا آنذاك أن يدمر الجيش العراقي وبنية العراق الأساسية في هذه الحرب. ولقد ثبت أن أمريكا ليست مستعدة ولا ناجحة في خوض حروب العصابات والتمردات الداخلية، ولذلك فإن سياسات أمريكا وتركيا تجاه البلقان الإسلامي أسفرت عن عزل المسيحيين الارثوذوكس في معازل (جيتوات)، ومحو كامل للثقافة الوطنية.
- وحتى اليوم، فإنه في العراق وليبيا ومصر وسوريا توجد دول ذات ثقل اقليمي، إلا أن قوى الناتو (ومنه تركيا) لديها أهداف مختلفة تتعارض مع مصالح وأهداف دول المنطقة. وهذه الحقيقة هي التي تعرقل تحقيق حلم الإخوان المسلمين في الاعتماد على أمريكا وقطر وتركيا في الحصول إلى السلطة، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في تماسك النظام السوري والتفاف المصريين المتنامي حول السيسي. – لذلك.. وبينما لا تتورع أمريكا وقطر وتركيا عن العمل على زعزعة الاستقرار في ليبيا وسوريا، فإن المصالح المتعارضة بين كثير من الدول في المنطقة تساعد على نشوب ثورات مضادة داخلها، لذلك فإن الجهد التي تبذله النخب الحاكمة والسياسية في سوريا ومصر للقضاء على الثورات المضادة إنما يرجع إلى حرصها على عدم تحول بلديهما إلى دول فاشلة.
- ومن الملاحظ أيضا أن بروز تنظيم داعش بقوة في العراق قد جرى بعد أن سحبت إدارة أوباما القوات الأمريكية من هناك. كما أن حالة عدم الاستقرار في سوريا هي التي مكنت داعش وتنظيم النصرة وغيرهما من المنظمات التكفيرية والعراقية من الظهور والاشتباك في الحرب الأهلية الجارية هناك. بينما هذا يحدث فإن جماعة الإخوان في سوريا صارت اداة طيعة في ايدي إدارة أوباما لتحقيق مشروعها الشرق الأوسط الجديد، والذي تلقى دفعة بنتيجة الاضطرابات التي دعمتها كل من قطر وتركيا في بلدان المنطقة. ورغم أن السعودية وباقي دل الخليج لا يساندون نظام الأسد في سوريا، فإن نفس هذه الدول الخليجية تختلف مع أمريكا وقطر وتركيا في موقفها تجاه مصر، حيث لا ترغب هذه الدول الخليجية أن تسيطر جماعة الإخوان على السلطة في مصر والأردن.
- أن الأزمة الأخيرة في ليبيا تلقى الضوء على رغبة مصر في تضييق الخناق على القوى الإرهابية والتكفيرية التي تسعى إلى تحويل هذه البلد إلى خنجر موجه لقلب مصر ودول المنطقة. وقد برز ذلك في الضربات الجوية التي شنتها مصر ضد قواعد داعش في ليبيا بعد المذبحة التي ارتكبها هذا التنظيم الإرهابي بذبح 21 قبطي مصري هناك. وبينما ترغب مصر في أن يساند المجتمع الدولي القوى غير الإسلامية في ليبيا، ومقاتلة مختلف الجماعات الإرهابية هناك، فإنه الملاحظ أن هذه الرغبة المصرية قوبلت بالصمت من أمريكا وقطر وتركيا. وعليه وبينما تستمر واشنطن في التعامل مع العناصر التابعة للإسلام السياسي، وتعزل نفسها عن الأزمة الناشبة في ليبيا، فإنها رأي واشنطن – لا تزال متورطة في اثارة الاضطرابات داخل مصر.
- وفي نفس الوقت، فإن كل من أمريكا وقطر وتركيا قد ثبت انهم وراء تشكيل وتدريب قوة إرهابية عرقية جديدة للعمل ضد سوريا. هذا رغم إدراك جميع الاقليات لحقيقة أنها ستواجه اضطهادا منهجيا إذا ما تمكنت إحدى الحركات الإسلامية من الاطاحة بالنظام السياسي القائم حاليا في سوريا.
- وبمعنى آخر، فإن انقرة والدوحة وواشنطن.. جميعا يسعون لامتصاص الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثلما فعلوا في البلقان من قبل.. وذلك من أجل إعادة تشكيل المنطقة على أساس أطماعهم الجيوبوليتيكية، ولذلك ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإن هذه الدول تعمل من أجل تمكين جماعة الإخوان من حكم بلدان المنطقة لتكون اداتهم في ذلك.
- أن الإسلام الاصولي، مثل المسيحية الارثوذكسية في شمال قبرص وكوسوفو.. لا تعني الا القليل بالنسبة لأمريكا وقطر وتركيا عندما يصل الأمر إلى المصالح والاعتبارات الجيواستراتيجية، هذه الحقيقة تعني أن سعي هذه الدول الثلاث للاستفادة بالإسلام السياسي قائم على أساس فعاليات وطموحات الإخوان المسلمين في مختلف بلدان شمال أفريقيا والشام. ولذلك فإن مصر وسوريا يعتبران في الخط الامامي يحافظان على استقلالهما في مواجهة مخططات الشرق الأوسط الجديد، وأيضا في مواجهة إرهاب داعش المرتبط مع قطر وتركيا المعروف جيدا، لذلك فإن المخاوف السائدة في مصر أن الدول الخارجية تتعامل مع القوى التكفيرية بنفس المستوى الذي تتعامل به مع حكومات المنطقة، وهو ما يبرز في تعامل هذه الدول الخارجية مع القوى السياسية والإرهابية في سوريا.
إخوان أمريكا يدخلون مرحلة الانتقام في مصر
- كشف مركز (كلاريون) المتخصص في قضايا الإرهاب، أن الإخوان اصبحوا الآن في رحلة الانتقام، ونقل المركز دعوات اشرف عبدالغفار – القيادي الإخواني المقيم بتركيا – عبر المحطات التليفزيونية" إلى الانتقام والتحريض على أعمال العنف، واستخدام كل الوسائل في مصر من أجل محاولة التخلص من الرئيس عبدالفتاح السيسي واعادة حكم الإخوان إلى البلاد. كما نقل المركز أيضا تصريحات – المذيع الإخواني – الذي يقول فيها "لقد حان الوقت لبدء الكفاح المسلح". ووفقا للمركز فإن أوباما يجري مؤخرّا اجتماعات خاصة مع كبار القادة الأمريكيين التابعين للإخوان في جلسات مغلقة مع كبار مستشاريه ومسئولي الخارجية الأمريكية وعدد من أعضاء الكونجرس لبحث التعاون بين الولايات المتحدة والإخوان لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة ومنها الكفاح المسلح.
ورأى المركز أن جماعة الإخوان كان امامها خياران، هما أن تنتهج الطريق الديمقراطي وبتعاون كأي جماعة معارضة داخل الدولة، تحترم قواعد اللعبة السياسية من هزيمة وفوز، أو أن تنتهج الكفاح المسلح، ولكنها اختارت الأخير.
- وفي السياق ذاته، أصدر موقع (بريتيارت) الأمريكي تعزيزا قال فيه أن نحو 14 من قادة التنظيمات الأمريكية التر تربطها علاقات وثيقة بتنظيم الإخوان، اجتمعوا مع الإدارة الأمريكية بالبيت الأبيض في الأسبوع الأول من فبراير الماضي وكان من بينهم أعضاء من المنظمات التي وضعتها الإمارات على قوائم التنظيمات الإرهابية –مثل (اسنا) –والتي تأسست في عام 1981 من قبل الإخوان في أمريكا، والمعروفة بعلاقته مع حماس والطلبة الايرانين في الولايات المتحدة. وأضاف الموقع أن ممثلين عن منظمة (كير) أيضا كانوا في الاجتماع وهم من المتهمين بتمويل العمليات الإرهابية. وكانت هدى الشيشتاوي رئيسة منظمة MPAC المعروفة بعلاقتها بالإخوان في مصر، ضمن الوفد الذي طلب من الرئيس أوباما عدم تسمية حزب الله وحماس كمنظمات إرهابية، وقد حضر الاجتماع كبار مستشاري البيت الأبيض وعلى رأسهم رودس وفاليري جاريت.. وتساءل الموقع: لمإذا لا يزال الرئيس أوباما نصيرا للإخوان والمنظمات التابعة لهم والتعامل معها على انها كيانات سياسية مشروعة ؟!
- وكان محمد سودان –المتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة المنحل قد طرح سيناريو لتغيير النظام في مصر عبر تدخل الولايات المتحدة، يتضمن الاطاحة بالرئيس السيسي ثم الإفراج عن جميع المحتجزين وعلى رأسهم محمد مرسي وعودته إلى السلطة. وزعم في مداخلة هاتفية مع قناة الشرق التي تبث من تركيا أن إذا ارادت الولايات المتحدة أن تعيد ما اسماه الهدوء إلى الشارع المصري وللمنطقة فالسيناريو المحتمل هو أن تطيح بالسيسي وقال أن ذلك سوف يعقبه ظهور المجلس العسكري للمطالبة بفترة انتقالية قبل الإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم مرسي، على أن يعدوا بعوته بعد فترة انتقالية. وفي موقعه أكد أن هذا السيناريو المحتمل يمكن أن تقوم به الإدارة الأمريكية، وهو ما يؤكد عمالة جماعة الإخوان وكل فصائل الإسلام السياسي للولايات المتحدة.

- وفي إطار الحرب الإعلامية التي شنتها جماعة الإخوان ضد الدولة المصرية، فيما أثارته حول ما أطلق عليه "تسريبات الرئيس السيسي ومدير مكتبه اللواء عباس كامل" بهدف الإيقاع بين مصر ودول الخليج كشفت صحيفة الجريدة الكويتية أن التحقيقات في هذا الشأن أثبتت ضلوع المخابرات المركزية الأمريكية في هذه القضية، حيث قامت بتثبيت جهاز للتصنت تم العثور عليه في أحد البيوت القريبة من مكان الحديث، وأن هذا التصنت تم عن بعد بواسطة تقنيات تم زرعها في أجهزة الوايف أي وعبر هاتف نقال يعود لأحد موظفي القصر الرئاسي تحت قرصنته، كما أن التسجيلات غير متناسقة وجرى ترتيبها وفبركة السياق بما يحقق هدف الإساءة للسيسي. وأن هذه التقنيات متوافرة فقط في الولايات المتحدة كما تم رصد مكالمات لعملاء لـCIA بهذا الشأن أسندت لهم مهمة نقل التسريبات لقنوات تلفزة مختلفة تعرف بعدائها للسيسي وللنظام المصري الحالي.
- وقد كشف عصام الحداد –مسئول الشئون الخارجية في مكتب الإرشاد –في السجن مذيع الجزيرة في قضية فندق ماريوت محمد فهمي، أن الإدارة الأمريكية كانت تتعامل معه باعتباره وزير خارجية مصر أثناء حكم الإخوان، وأنه الوحيد الذي انفرد بالاجتماع مع أوباما 45 دقيقة، وأنه طلب من الرئيس الأمريكي معلومات ونصائح عن التحكم الديمقراطي في القوات المسلحة ووعده بإرسال ملف من البنتاجون فور وصوله إلى مصر وأوضح الحداد أن السيسي– وكان آنذاك مديرّا للمخابرات الحربية– قد كشف تفاصيل هذا اللقاء بينه وبين أوباما والذي كان يستهدف منه حداد أن تتحكم جماعة الإخوان في القوات المسلحة بمساندة ودعم أمريكا، وواجهة ذلك، مضيفّا أن أوباما كان يريد أن يطبق النموذج التركي في مصر، وهو أن يكون الإخوان هم المسيطرون على أجواء الأمور في الدولة، وأن يكون هناك حوار مستمر حول ما يسمى "الإسلام السياسي الوسطي" وذلك ما أكد عليه أوباما.
دلالات حديث السيسي مع وفود الكونجرس
- لم تكن زيارة وفد الكونجرس الأمريكي لمصر ولقائه مع الرئيس السيسي إلا بهدف واضح يتمثل في التعرف عن قرب على الموقف في مصر، ومدى قوة وتماسك الدولة المصرية رغم العمليات الإرهابية التي تواجهها من قبل جماعة الإخوان وحلفائها، وقدرة الدولة على مواجهة هذه العمليات مستقبلا، وحقيقة ما يتمتع به السيسي من مساندة شعبية تمكن من مواجهة التحديات المفروضة عليه، ليس من الإرهاب فقط، ولكن من الإدارة الأمريكية أيضا، لا سيما بعد أن تصاعدت حدة لهجة النواب الجمهورين في الكونجرس ضد إدارة أوباما واتهامها بأنها تدعم وتساند جماعة الإخوان وهي إرهابية، في ذات الوقت الذي تحارب فيه مصر الإرهاب، وتمتنع إدارة أوباما عن تقديم الدعم والمساندة لها في هذه الحرب، هذا فضلا عن اختبار مدى صلابة الرئيس السيسي في مواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية التي تستهدف تصفيته. وهذا هو مغزى السؤال الذي طرحه أحد أعضاء الوفد الأمريكي على السيسي عن مدى خشيته من أن يتكرر معه مصير الرئيس الراحل السادات، وهو السؤال الذي كشفه السيسي بنفسه وفاجأ به الحضور في افتتاح المشروعات الـ19 التي نفذتها القوات المسلحة وكان رده على هذا السؤال أن الرئيس الراحل السادات أنقذ أرواح مئات آلاف المصريين، أما هو –السيسي –فهو لا يخشى الموت لأن عمر الإنسان مقدر بإرادة المولى عز وجل.
- ورغم غرابة السؤال المطروح من أعضاء الكونجرس، وافتقاره للياقة والذوق، فإنه يحمل الكثير من الدلالات ولم يطرح اعتباطا، بل تطرح في المقابل الكثير من الأسئلة حول مغزى وبعاد توجيه هذا السؤال السخيف والغريب. فهو ليس من قبيل قياس شجاعة الرئيس أو اختبار صلابته، كما أنه ليس من قبيل تمضية الوقت في مقابلة رسمية مفروض أن وقتها محسوب بدقة، بل هو سؤال مختار من سائلين بعناية لا يجب أن يمر علينا دون تجليل بل هو رسالة أمريكية مخفية في شكل سؤال خطر، وينبغي تحليله على النحو التالي:
أولا: فمن الصحيح أن حياة الرئيس السيسي مهددة، وأنه مطلوب من الإخوان وتابعيهم، لما يشكله السيسي من خطورة على مخططات الإخوان وحلفائهم ومستقبلهم، فضلا عن القوى الداعمة والمساندة لهم في الخارج بالبيئتين الإقليمية والدولية، فهم موتورون ويرمون ثأرا ممن أسقط مرشدهم عن عرش الخلافة المزعوم الذي يحلمون به، وكان قاب قوسين أو أدنى منهم قبل ثورة 30 يونيو. من هنا فإن الأمر يستلزم بل يفرض في المقابل الأخذ بكل الأسباب الأمنية لإحباط كل المخططات التآمرية على الرئيس وأركان النظام والدولة، بل وإشراك الشعب في ذلك، وهذا هو السبب الذي دفع الرئيس للبوح للشعب بما دار في هذا الاجتماع على ألسنة الأمريكيين، فهو يطلع الشعب على ما يمكرون ليشركه في جولة المواجهة، وليس من قبيل ادعاء بطولة أو شجاعة ولا لكي يستدر عطفّا وإن كان الله خير الماكرين.
ثانيا: كما لا يجب وصف السؤال الأمريكي والطريقة التي طرحت به بالبراءة، بل بالشك، وما يحمله من رسائل مبطنه تحمل التحذير والتهديد بل ويسلط الضوء على ضلوع أجهزة المخابرات الأمريكية في التخلص من الرئيس السيسي بعد أن أصبح عبئا على الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومعرقلا لتحقيق أهدافها وتنفيذ مخططاتها، ليس فقط فيما يتعلق بمشروع الشرق الأوسط الجديد ومخطط الفوضى الخلاقة الذي تنهض به تنظيمات الإسلام السياسي، ولكن أيضا بعد نجاح السيسي في كسر العزلة الغربية المفروضة على الرئيس الروسي بوتين ومطالبة السيسي بوقف أي تعاون عسكري مع روسيا، والتوقف عن تحدي المخططات الأمريكية في ليبيا والخليج والسودان واليمن. كما جاء أعضاء الكونجرس إلى مصر ليهددوا السيسي ليتراجع عن دعوته لتكوين قوة عربية مشتركة تواجه الأخطار المحرقة بالمنطقة دون انتظار طائرات التحالف الأمريكي الأوروبي، ودون تباطؤ حت انتشار حرائق الفتن الطائفية والحروب الأهلية التي تشعلها الإدارة الأمريكية وتراعاها وتدافع عن استمرارها بأدوات عربية، وان عليه أن تستأذن الإدارة الأمريكية قبل أن يقدم عل أعمال عسكرية خارج مصر مثل الضربة الجوية ضد داعش في ليبيا.
ثالثا: أن طرح هذا السؤال بهذا الأسلوب المكشوف يعني ضمنيا اعتراف الأمريكيين بأن جماعة الإخوان وحلفاءها هم جماعات إرهابية متطرفة، ترفع سيف التهديد في وجه كل من يعارضها بعيدّا عن كل الشعارات الديمقراطية التي ترفعها وتلوح بأن السيسي اعتدى عليها. إذن لماذا لا تتعامل معها الإدارة الأمريكية على هذا الاعتبار، بل نجد واشنطن تتجاهل حقيقة كون الإخوان جماعة إرهابية، وترفض تصنيفها على هذا الأساس رغم أن دول كثيرة في العالم بينها روسيا ودول الخليج العربية تصنف الإخوان باعتبارها جماعة إرهابية؟ ورغم أن أمريكا تعترف خلف الكواليس بأن الإخوان جماعة إرهابية، وهو الأمر الذي يؤكد اعتماد الإدارة الأمريكية على الجماعات الإرهابية كأدوات ووسائل لتحقيق الأهداف الأمريكية بأساليب تخريبية.
لذلك وارتباطا بهذا الموضوع لم يكن غريبّا أن تستحدث السفارة الأمريكية في القاهرة إدارة جديدة لرصد وتحليل ردود افعال المصريين في وسائل الإعلام المختلفة، ليس فقط فيما يتعلق بردود افعال لقاء وفد الكونجرس الأمريكي مع الرئيس ولكن أيضا رصد آراء المصريين وردود افعالهم فيما يتعلق بمجمل السياسة الأمريكية في مصر وبنود المعونة الأمريكية الجديدة المرهونة بتراجع القضاء عن احكام الاعدام الصادرة بحق عناصر جماعة الإخوان وتصالح النظام معها. وقد منحت السفارة عضوية هذه الإدارة الجديدة لخبراء في (السوشيال ميديا) وأساتذة إعلام وسياسة وقانون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وستكون مهمة هذه الإدارة رصد مقالات كبار الكتاب وفقرات البرامج التليفزيونية المتعلقة بالمعونة الأمريكية وشروطها الجديدة، وإرسال تقارير بشأنها إلى الحكومة الأمريكية في واشنطن. كما ستتابع السفارة من خلال هذه الإدارة الجديدة احكام القضاء التي تصدر يوميا بحق عناصر جماعة الإخوان وأعضاء حركة 6 أبريل وغيرها من الحركات الثورية، مع عمل حصر لأحكام الاعدام تحديدا، وما يتعلق بها من حيث نهائية الاحكام ودرجات التقاضي المتبقية للمتهمين. وغني عن القول أن جمع كل هذه المعلومات إنما يستهدف في النهاية ترويج معلومات مضللة عن مصر في منظمات حقوق الإنسان الدولية واتهامها بانتهاك هذه الحقوق مع معارضي النظام، وادانتها باستخدام العنف ووسائل القمع والمطالبة بمعاقبتها دوليا.
رؤية تحليلية
- أن ما تم الإشارة إليه انفا – من مصادر أمريكية وغيرها –عن مخططات أمريكية لتقويض النظام السياسي القائم في مصر، ينبغي أن ينظر اليها باعتبارها تستهدف في الحقيقة تقويض الدولة المصرة، لتتحول إلى دولة فاشلة.. مثل الأوضاع القائمة في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والصومال، وما التحالف القائم بين واشنطن وجماعة الإخوان الا وسيلة لتحقيق هذا الهدف خدمة للمصالح الأمريكية في المنطقة.. ومن يمعن النظر في التهديد الذي حمله لقاء وفد الكونجرس مع الرئيس السيسي باحتمال تعرضه لمصير مماثل للرئيس الراحل السادات يتأكد من عمق المخططات التي تحاك ضد مصر، ولا تختلف في الهدف والأسلوب عن اساليب تعامل ادارات أمريكية سابقة مع الرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات، وأيضا مع الرئيس الأسبق مبارك عندما جندت إدارة أوباما عملائها من حركة 6أبريل وغيرها للإطاحة به وفرض البرادعي رئيسا لمصر توطئة لتمكين جماعة الإخوان من تولي المناصب الرئيسية في الدولة. الا ما يختلف به تعامل أمريكا مع السيسي عن رؤساء مصر السابقين هو أن أمريكا تفاجأت بوجود ظهير شعبي حقيقي للرئيس السيسي لأول مرة في التاريخ تعاملها مع نظم الحكم في مصر، ناهيك عن دعم مؤسسات الدولة –جيش وشرطة وقضاء وبرلمان –له، وهو الأمر الذي اربك وافسد المخططات الأمريكية ضده، لاسيما مع تصاعد الرفض الشعبي لجماعة الإخوان بسبب أعمالها الإرهابية ضد المصريين وانكشاف حقيقة كونها جماعة إرهابية بعد سقوط اقنعة الخداع التي كانت ترتديها طوال 85سنة وهو ما يدعم موقف السيسي في رفض التصالح مع الإخوان طبقا للرغبة الأمريكية، لذلك نجده يحيل أمر التصالح إلى الشعب الرافض لذلك حتى وان وافق السيسي عليه.
- ورغم استسلام الإدارة الأمريكية للقبول بالسيسي والتعامل معه ظاهرا، فإن المؤامرات ضده لتعطيل مسيرته، خاصة فيما يتعلق بمشروعات الاستقرار المدني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية – لن تتوقف لحظة. لذلك سنستمر في وضع العراقيل والعقبات في طريقه، سواء فيما يتعلق بتقليص المساعدات الأمريكية الاقتصادية وحتى العسكرية –والخاصة فيما يتعلق منها بالإمداد بقطع غيار الأسلحة والمعدات والذخائر – للضغط عليه للقبول بالمطالب الأمريكية، كما ستواصل عمليات الاستنزاف المادي والمعنوي، اعتقادا من واشنطن أن الشعب لن يتحمل استمرار تراكم الأزمات فترة طويلة. وإدارة أوباما تلجأ غالبا لتحقيق ذلك إلى تكتيك غير مباشر في مواجهتها مع نظام الرئيس السيسي، حيث لديها وكلاء محليون (تنظيمات الإسلام السياسي) واقليميون (تركيا وقطر والسودان وحماس) يقومون بتنفيذ ما تريد، واي تحسن نسبي في العلاقة مع مصر، سوف يؤثر سلبا على حماس واندفاع هؤلاء الوكلاء، لذلك تتعمد دائما أن تضخ من حين لآخر دماء جديدة في شرايين العملاء، حتى لا تفتر عزائمهم تحت وقع اليأس والاحباط والفشل في تحقيق أي إنجاز رغم تصاعد وتنوع العمليات الإرهابية، وأيضا ما يحققه السيسي من نجاحات على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وانعكس بشدة في نجاح المؤتمر الاقتصادي الأخير في شرم الشيخ. وربما أبرز دليل على ذلك أنه بعد أن زالت بهجة احتفال الإخوان باستقبال وزارة الخارجية لوفد الجماعة، وخابت الظنون بشأن عرقلة انعقاد المؤتمر الاقتصادي، قامت إدارة أوباما بمنح جماعة الإخوان جرعة مسكنة برفع التحفظ المفروض منذ 14 عاما على أموال يوسف ندا القيادي بالتنظيم الدولي للإخوان في بنك التقوى بجزر الباهاما، وكان مخصصا لتمويل العمليات الإرهابية التي تمارسها جماعة الإخوان، وتوسيع نفوذها وقواعدها في العالم.
- ولم يقتصر الأمر على تنشيط إدارة أوباما للدور الإخواني في المنطقة، بل شمل أيضا عملائها في الدائرة الاقليمية واعني بهم قطر وتركيا. وهو ما تمثل في الاستقبال المفاجئ لأمير قطر في البيت الأبيض الشهر الماضي لتشجيعه واشعاره بأنه ليس بمفرده في الصراع ضد الرئيس السيسي، بل يتمتع بغطاء واشنطن. كذلك الأمر بالنسبة لنظام حكم أردوغان في تركيا واعطائه الايحاء بأنه سيكون قائدا للتحالف السني في المنطقة في مواجهة الهلال الشيعي الذي تقوده إيران، وامتد من سوريا ولبنان والعراق إلى اجزاء من دول الخليج واليمن.حيث تعتبر واشنطن أن اذكاء الصراع بين بلدان الهلال الشيعي والقوس السني أحد الاساليب الرئيسية في سياسة الفوضى الخلاقة التي تحقق تفكك دول المنطقة واعادة رسم خريطتها، وبما يسهل لأمريكا بسط هيمنتها عليها. من هنا جاء محاربة واشنطن لفكرة السيسي وتشكيل تحالف إستراتيجي عربي –ولو على مستوى عدد محدود من الدول العربية ذات تناغم سياسي واستراتيجي –لمواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية التي تتعرض له مصر ودول الخليج وشمال أفريقيا، سواء من قبل التنظيمات الإرهابية أو إيران. وربما لم يكن بعيدا عن ذلك إعلان تركيا عن افتتاح كيان مواز للأزهر تحت مسمى "اكاديمية بناء لتأهيل العلماء" بدعوى اعداد ائمة الأوقاف والعلماء والوعاظ الدارسين، من خلال فرع في تركيا وآخر في قطر، تحت رعاية نظام أردوغان وبدعم مباشر من آل حمد في قطر، والإعلان عن حوافز مادية مغرية ورعاية صحية لمن يلتحق بهذه الاكاديمية، فضلا عن الاقامة الكاملة لمدة 4 سنوات للتفرغ للدراسة. ويأتي ذلك بعد أن افشلت ثورة 30يونيو مخطط الإخوان لإقامة تلك الاكاديمية في مصر بحي الزمالك لإعداد اجيال من الدعاة يدينون بالولاء للجماعة. وكان الإخواني الإرهابي في تركيا –جمال عبدالستار –قد دعا علماء الأزهر للالتحاق بهذه الاكاديمية، مقدما لهم العديد من الاغراءات المادية، مستغلا في ذلك ضعف المستوى المادي لهؤلاء العلماء.
- ومن الملاحظ أن إدارة أوباما بدأت تستخدم أسلوبا جديدا في تعاملها مع الرئيس السيسي، يمكن أن نطلق عليه "الإدارة بالخوف" بمعنى التخويف من مخاطر غير مسبوقة تهدد أمن مصر وشعبها إذا ما استمر النظام المصري في تحديه للإدارة الأمريكية، ورفضه الانصياع لطلباتها. ولم يكن تهديد وفد الكونجرس للرئيس السيسي بأنه قد يلقى مصير الرئيس اراحل السادات، هو المؤشر الوحيد على نهج واشنطن لأسلوب "الإدارة بالخوف". أي الخوف من قطع المعونات الاقتصادية والمساعدات العسكرية الأمريكية، والخوف من تعرض النظام المصري لعقوبات دولية بدعوى انتهاك حقوق الإنسان، والخوف من شن هجمات إرهابية متزامنة من الاتجاهات الاستراتيجية الثلاث: الشرقية والغربية والجنوبية، فضلا عن البحر من الشمال، والخوف من منع سفن الدول من عبور قناة السويس، والخوف من ثورة الجياع في مصر.. إلى غير ذلك من مظاهر التخويف والتهديد.
- هذا الخوف ليس جديدا.. فقد استخدمه الإخوان مزعومين من واشنطن بالمليونيات قبل الوصول إلى الحكم، وبالانتقام والحصار عند الوصول إلى الحكم، وبالعنف والإرهاب وصناعة الفوضى بعد الخروج من الحكم، وقد ارس الإخوان اسوأ المبادئ السياسية عندما قالوا: إذا لم تعلنوا فوزنا بالرئاسة ولعناها نارا، واذا اخرجتمونا من الرئاسة سوف نسحقكم، واذا لم تقبلوا بعودة مرسي فسوف نسقطكم وزعموا أن 7000 من المارينز الأمريكان سينزل في السويس إذا لم يتم عودة مرسي للحكم. ثم جاءت ثورة 30يونيو فاستمرت سياسة التخويف من كل شيء.. من فوضى عارمة إذا ما جرت الانتخابات الرئاسية، كذلك تكرر التخريف مرة ثالثة من افشال المؤتمر الاقتصادي، ومن إجراء الانتخابات البرلمانية. وستستمر سياسة الإدارة بالتخويف من قبل أمريكا والإخوان وحلفائهم في الداخل والخارج طالما استمرت مصر في تحقيق نجاحات على صعيدي الأمن والاستقرار والتنمية. ولكن في مواجهة هذا الأسلوب الأمريكي –الإدارة بالخوف – فان ما لا تدركه إدارة أوباما أن هذا الأسلوب لا يجدي مع الشعب المصري فاذا حضر الشعب فلا خوف منه ولا خوف عليه لأنه صار صاحب الشأن حاضرا ومستقبلا، وهو موجود بكل فئاته وطوائفه، ولا تنطلي عليه اساليب التهديد الجوفاء حتى وان انعكست في أعمال إرهابية على الارض برعاية أمريكية، ذلك أن تجارب التاريخ المتراكمة في ذاكرة الشعب المصري، وتصديه لنوعيات متعددة من التهديدات داخلية وخارجية، حصنته ضد اساليب إدارة الخوف التي تمارسها واشنطن ضده، لذلك فمصيرها الفشل المؤكد، لا سيما بعد أن استعاد المصريين ثقتهم في انفسهم ورئيسهم، واطمأنوا إلى عدالة قضيتهم في محاربة الإرهاب ومن هم ورائه.
- وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، فقد أثبتت الاحداث أن السياسة الأمريكية تخطط وتدار من جزر منعزلة، فما يقال في البنتاجون غير ما يقال في وزارة الخارجية وخلاف ما يصدر عن البيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات الأمريكي، فضلا عما يعيشه الرئيس الأمريكي من عزلة سياسية في العامين الاخيرين من حكمه، وهي فترة يطلق فيها على الرئيس الأمريكي (البطة العرجاء) وأبرز مظاهر هذه العزلة ما يوجه له من انتقادات له من قبل أعضاء الكونجرس الجمهوريين المعارضين لسياسته ازاء الحرب على الإرهاب خاصة فيما يتعلق بازدواجية المعايير في التعامل مع قوى الإرهاب.. فبينما يسمح لقوات التحالف الجوية بالعمل في العراق وسوريا ضد داعش، يرفض محاربة داعش في ليبيا والتي تشكل خطورة على مصر وبلدان المغرب العربي، وهو ما يؤكد اعتماد أوباما على داعش وامثالها من تنظيمات متطرفة في تنفيذ سياستها لتصدير الإرهاب إلى دول معينة على رأسها مصر وتسعى الإدارة الأمريكية لتحويلها بفعل الإرهاب إلى دولة فاشلة. كما انعكست سياسة العزلة التي إدارة أوباما في انتقادات الصحف الأمريكية لها، وان استراتيجيتها في مواجهة الإرهاب "فاشلة وقصيرة النظر" وضربت صحيفة (هافنجتون بوست) مثلا على ذلك بأن "الدعم الأمريكي للأردن لمكافحة الإرهاب، والامتناع عن دعم مصر يعتبر استراتيجية قصيرة النظر وتعطي نتائج عكسية" مؤكدة ضرورة الإفراج عن المساعدات العسكرية الأمريكية.
- وقد فضح كتاب (القوة الخطرة) من تأليف نعوم شومسكي زواج المصلحة بين السياسة الأمريكية والتنظيمات الإرهابية وفي القلب منها جماعة الإخوان، ووصف السياسة الأمريكية "بالتناقضات المخجلة" واعتبر أن "الولايات المتحدة دولة داعمة للإرهاب، وذلك لأن معيار الإرهاب عندهم هو ما الذي يفعله الارهابيون بنا، واستبعاد، الذي نفعله نحن بهم، فما نفعله نحن هو تدخل إنساني، حتى ولو تم عن طريق برميل البارود، مثلما فعلنا في العراق، وافغانستان، وفي مشاركتنا مع إسرائيل تصرفاتها في فلسطين". وعن فكرة تغير الأنظمة في المنطقة يقول شومسكي أنه "يتم وفقا للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، وهو التغيير الذي انطلق في عام 2011 وكان قد بدأ في عام 1991، ففي ذلك العام، وما جرى خلال فترة التسعينات وخاصة بعد مارس 2003، وهو يوم غزو العراق، نفذت الولايات المتحدة حملة الارض المحروقة "لتدمير مجتمع العراق".
- وعن الدور الإسرائيلي في المخطط الأمريكي لقلب الأنظمة الحاكمة في المنطقة من خلال التعامل مباشرة مع الإخوان ومنظمات المجتمع المدني، كتب د. كريستوفر ليهمان في تحليل ومتابعة التطورات الجيوبوليتيكية في الشرق الأوسط دراسة بعنوان "الانقلابات فيما بعد الحداثة" يصف فيها ما اعتبره أجندة صهيونية – حلف أطلنطية لتغير الأنظمة في دول المنطقة، يشير فيها إلى عمليات سرية تجمع الطرفين، للقيام بتدخل عسكري معلن، وباستخدام تكتيكات القوة الناعمة.. وأن مراكز البحوث الممولة من الخارج وقفت وراء خطة زعزعة استقرار دول ذات سيادة.
- وقد كشف عصام الحداد –مسئول الشئون الخارجية في مكتب الإرشاد –في السجن مذيع الجزيرة في قضية فندق ماريوت محمد فهمي، أن الإدارة الأمريكية كانت تتعامل معه باعتباره وزير خارجية مصر أثناء حكم الإخوان، وأنه الوحيد الذي انفرد بالاجتماع مع أوباما 45 دقيقة، وأنه طلب من الرئيس الأمريكي معلومات ونصائح عن التحكم الديمقراطي في القوات المسلحة ووعده بإرسال ملف من البنتاجون فور وصوله إلى مصر وأوضح الحداد أن السيسي– وكان آنذاك مديرّا للمخابرات الحربية– قد كشف تفاصيل هذا اللقاء بينه وبين أوباما والذي كان يستهدف منه حداد أن تتحكم جماعة الإخوان في القوات المسلحة بمساندة ودعم أمريكا، وواجهة ذلك، مضيفّا أن أوباما كان يريد أن يطبق النموذج التركي في مصر، وهو أن يكون الإخوان هم المسيطرون على أجواء الأمور في الدولة، وأن يكون هناك حوار مستمر حول ما يسمى "الإسلام السياسي الوسطي" وذلك ما أكد عليه أوباما.
دلالات حديث السيسي مع وفود الكونجرس
- لم تكن زيارة وفد الكونجرس الأمريكي لمصر ولقائه مع الرئيس السيسي إلا بهدف واضح يتمثل في التعرف عن قرب على الموقف في مصر، ومدى قوة وتماسك الدولة المصرية رغم العمليات الإرهابية التي تواجهها من قبل جماعة الإخوان وحلفائها، وقدرة الدولة على مواجهة هذه العمليات مستقبلا، وحقيقة ما يتمتع به السيسي من مساندة شعبية تمكن من مواجهة التحديات المفروضة عليه، ليس من الإرهاب فقط، ولكن من الإدارة الأمريكية أيضا، لا سيما بعد أن تصاعدت حدة لهجة النواب الجمهورين في الكونجرس ضد إدارة أوباما واتهامها بأنها تدعم وتساند جماعة الإخوان وهي إرهابية، في ذات الوقت الذي تحارب فيه مصر الإرهاب، وتمتنع إدارة أوباما عن تقديم الدعم والمساندة لها في هذه الحرب، هذا فضلا عن اختبار مدى صلابة الرئيس السيسي في مواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية التي تستهدف تصفيته. وهذا هو مغزى السؤال الذي طرحه أحد أعضاء الوفد الأمريكي على السيسي عن مدى خشيته من أن يتكرر معه مصير الرئيس الراحل السادات، وهو السؤال الذي كشفه السيسي بنفسه وفاجأ به الحضور في افتتاح المشروعات الـ19 التي نفذتها القوات المسلحة وكان رده على هذا السؤال أن الرئيس الراحل السادات أنقذ أرواح مئات آلاف المصريين، أما هو –السيسي –فهو لا يخشى الموت لأن عمر الإنسان مقدر بإرادة المولى عز وجل.
- ورغم غرابة السؤال المطروح من أعضاء الكونجرس، وافتقاره للياقة والذوق، فإنه يحمل الكثير من الدلالات ولم يطرح اعتباطا، بل تطرح في المقابل الكثير من الأسئلة حول مغزى وبعاد توجيه هذا السؤال السخيف والغريب. فهو ليس من قبيل قياس شجاعة الرئيس أو اختبار صلابته، كما أنه ليس من قبيل تمضية الوقت في مقابلة رسمية مفروض أن وقتها محسوب بدقة، بل هو سؤال مختار من سائلين بعناية لا يجب أن يمر علينا دون تجليل بل هو رسالة أمريكية مخفية في شكل سؤال خطر، وينبغي تحليله على النحو التالي:
أولا: فمن الصحيح أن حياة الرئيس السيسي مهددة، وأنه مطلوب من الإخوان وتابعيهم، لما يشكله السيسي من خطورة على مخططات الإخوان وحلفائهم ومستقبلهم، فضلا عن القوى الداعمة والمساندة لهم في الخارج بالبيئتين الإقليمية والدولية، فهم موتورون ويرمون ثأرا ممن أسقط مرشدهم عن عرش الخلافة المزعوم الذي يحلمون به، وكان قاب قوسين أو أدنى منهم قبل ثورة 30 يونيو. من هنا فإن الأمر يستلزم بل يفرض في المقابل الأخذ بكل الأسباب الأمنية لإحباط كل المخططات التآمرية على الرئيس وأركان النظام والدولة، بل وإشراك الشعب في ذلك، وهذا هو السبب الذي دفع الرئيس للبوح للشعب بما دار في هذا الاجتماع على ألسنة الأمريكيين، فهو يطلع الشعب على ما يمكرون ليشركه في جولة المواجهة، وليس من قبيل ادعاء بطولة أو شجاعة ولا لكي يستدر عطفّا وإن كان الله خير الماكرين.
ثانيا: كما لا يجب وصف السؤال الأمريكي والطريقة التي طرحت به بالبراءة، بل بالشك، وما يحمله من رسائل مبطنه تحمل التحذير والتهديد بل ويسلط الضوء على ضلوع أجهزة المخابرات الأمريكية في التخلص من الرئيس السيسي بعد أن أصبح عبئا على الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومعرقلا لتحقيق أهدافها وتنفيذ مخططاتها، ليس فقط فيما يتعلق بمشروع الشرق الأوسط الجديد ومخطط الفوضى الخلاقة الذي تنهض به تنظيمات الإسلام السياسي، ولكن أيضا بعد نجاح السيسي في كسر العزلة الغربية المفروضة على الرئيس الروسي بوتين ومطالبة السيسي بوقف أي تعاون عسكري مع روسيا، والتوقف عن تحدي المخططات الأمريكية في ليبيا والخليج والسودان واليمن. كما جاء أعضاء الكونجرس إلى مصر ليهددوا السيسي ليتراجع عن دعوته لتكوين قوة عربية مشتركة تواجه الأخطار المحرقة بالمنطقة دون انتظار طائرات التحالف الأمريكي الأوروبي، ودون تباطؤ حت انتشار حرائق الفتن الطائفية والحروب الأهلية التي تشعلها الإدارة الأمريكية وتراعاها وتدافع عن استمرارها بأدوات عربية، وان عليه أن تستأذن الإدارة الأمريكية قبل أن يقدم عل أعمال عسكرية خارج مصر مثل الضربة الجوية ضد داعش في ليبيا.
ثالثا: أن طرح هذا السؤال بهذا الأسلوب المكشوف يعني ضمنيا اعتراف الأمريكيين بأن جماعة الإخوان وحلفاءها هم جماعات إرهابية متطرفة، ترفع سيف التهديد في وجه كل من يعارضها بعيدّا عن كل الشعارات الديمقراطية التي ترفعها وتلوح بأن السيسي اعتدى عليها. إذن لماذا لا تتعامل معها الإدارة الأمريكية على هذا الاعتبار، بل نجد واشنطن تتجاهل حقيقة كون الإخوان جماعة إرهابية، وترفض تصنيفها على هذا الأساس رغم أن دول كثيرة في العالم بينها روسيا ودول الخليج العربية تصنف الإخوان باعتبارها جماعة إرهابية؟ ورغم أن أمريكا تعترف خلف الكواليس بأن الإخوان جماعة إرهابية، وهو الأمر الذي يؤكد اعتماد الإدارة الأمريكية على الجماعات الإرهابية كأدوات ووسائل لتحقيق الأهداف الأمريكية بأساليب تخريبية.
لذلك وارتباطا بهذا الموضوع لم يكن غريبّا أن تستحدث السفارة الأمريكية في القاهرة إدارة جديدة لرصد وتحليل ردود افعال المصريين في وسائل الإعلام المختلفة، ليس فقط فيما يتعلق بردود افعال لقاء وفد الكونجرس الأمريكي مع الرئيس ولكن أيضا رصد آراء المصريين وردود افعالهم فيما يتعلق بمجمل السياسة الأمريكية في مصر وبنود المعونة الأمريكية الجديدة المرهونة بتراجع القضاء عن احكام الاعدام الصادرة بحق عناصر جماعة الإخوان وتصالح النظام معها. وقد منحت السفارة عضوية هذه الإدارة الجديدة لخبراء في (السوشيال ميديا) وأساتذة إعلام وسياسة وقانون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وستكون مهمة هذه الإدارة رصد مقالات كبار الكتاب وفقرات البرامج التليفزيونية المتعلقة بالمعونة الأمريكية وشروطها الجديدة، وإرسال تقارير بشأنها إلى الحكومة الأمريكية في واشنطن. كما ستتابع السفارة من خلال هذه الإدارة الجديدة احكام القضاء التي تصدر يوميا بحق عناصر جماعة الإخوان وأعضاء حركة 6 أبريل وغيرها من الحركات الثورية، مع عمل حصر لأحكام الاعدام تحديدا، وما يتعلق بها من حيث نهائية الاحكام ودرجات التقاضي المتبقية للمتهمين. وغني عن القول أن جمع كل هذه المعلومات إنما يستهدف في النهاية ترويج معلومات مضللة عن مصر في منظمات حقوق الإنسان الدولية واتهامها بانتهاك هذه الحقوق مع معارضي النظام، وادانتها باستخدام العنف ووسائل القمع والمطالبة بمعاقبتها دوليا.
رؤية تحليلية
- أن ما تم الإشارة إليه انفا – من مصادر أمريكية وغيرها –عن مخططات أمريكية لتقويض النظام السياسي القائم في مصر، ينبغي أن ينظر اليها باعتبارها تستهدف في الحقيقة تقويض الدولة المصرة، لتتحول إلى دولة فاشلة.. مثل الأوضاع القائمة في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والصومال، وما التحالف القائم بين واشنطن وجماعة الإخوان الا وسيلة لتحقيق هذا الهدف خدمة للمصالح الأمريكية في المنطقة.. ومن يمعن النظر في التهديد الذي حمله لقاء وفد الكونجرس مع الرئيس السيسي باحتمال تعرضه لمصير مماثل للرئيس الراحل السادات يتأكد من عمق المخططات التي تحاك ضد مصر، ولا تختلف في الهدف والأسلوب عن اساليب تعامل ادارات أمريكية سابقة مع الرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات، وأيضا مع الرئيس الأسبق مبارك عندما جندت إدارة أوباما عملائها من حركة 6أبريل وغيرها للإطاحة به وفرض البرادعي رئيسا لمصر توطئة لتمكين جماعة الإخوان من تولي المناصب الرئيسية في الدولة. الا ما يختلف به تعامل أمريكا مع السيسي عن رؤساء مصر السابقين هو أن أمريكا تفاجأت بوجود ظهير شعبي حقيقي للرئيس السيسي لأول مرة في التاريخ تعاملها مع نظم الحكم في مصر، ناهيك عن دعم مؤسسات الدولة –جيش وشرطة وقضاء وبرلمان –له، وهو الأمر الذي اربك وافسد المخططات الأمريكية ضده، لاسيما مع تصاعد الرفض الشعبي لجماعة الإخوان بسبب أعمالها الإرهابية ضد المصريين وانكشاف حقيقة كونها جماعة إرهابية بعد سقوط اقنعة الخداع التي كانت ترتديها طوال 85سنة وهو ما يدعم موقف السيسي في رفض التصالح مع الإخوان طبقا للرغبة الأمريكية، لذلك نجده يحيل أمر التصالح إلى الشعب الرافض لذلك حتى وان وافق السيسي عليه.
- ورغم استسلام الإدارة الأمريكية للقبول بالسيسي والتعامل معه ظاهرا، فإن المؤامرات ضده لتعطيل مسيرته، خاصة فيما يتعلق بمشروعات الاستقرار المدني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية – لن تتوقف لحظة. لذلك سنستمر في وضع العراقيل والعقبات في طريقه، سواء فيما يتعلق بتقليص المساعدات الأمريكية الاقتصادية وحتى العسكرية –والخاصة فيما يتعلق منها بالإمداد بقطع غيار الأسلحة والمعدات والذخائر – للضغط عليه للقبول بالمطالب الأمريكية، كما ستواصل عمليات الاستنزاف المادي والمعنوي، اعتقادا من واشنطن أن الشعب لن يتحمل استمرار تراكم الأزمات فترة طويلة. وإدارة أوباما تلجأ غالبا لتحقيق ذلك إلى تكتيك غير مباشر في مواجهتها مع نظام الرئيس السيسي، حيث لديها وكلاء محليون (تنظيمات الإسلام السياسي) واقليميون (تركيا وقطر والسودان وحماس) يقومون بتنفيذ ما تريد، واي تحسن نسبي في العلاقة مع مصر، سوف يؤثر سلبا على حماس واندفاع هؤلاء الوكلاء، لذلك تتعمد دائما أن تضخ من حين لآخر دماء جديدة في شرايين العملاء، حتى لا تفتر عزائمهم تحت وقع اليأس والاحباط والفشل في تحقيق أي إنجاز رغم تصاعد وتنوع العمليات الإرهابية، وأيضا ما يحققه السيسي من نجاحات على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وانعكس بشدة في نجاح المؤتمر الاقتصادي الأخير في شرم الشيخ. وربما أبرز دليل على ذلك أنه بعد أن زالت بهجة احتفال الإخوان باستقبال وزارة الخارجية لوفد الجماعة، وخابت الظنون بشأن عرقلة انعقاد المؤتمر الاقتصادي، قامت إدارة أوباما بمنح جماعة الإخوان جرعة مسكنة برفع التحفظ المفروض منذ 14 عاما على أموال يوسف ندا القيادي بالتنظيم الدولي للإخوان في بنك التقوى بجزر الباهاما، وكان مخصصا لتمويل العمليات الإرهابية التي تمارسها جماعة الإخوان، وتوسيع نفوذها وقواعدها في العالم.
- ولم يقتصر الأمر على تنشيط إدارة أوباما للدور الإخواني في المنطقة، بل شمل أيضا عملائها في الدائرة الاقليمية واعني بهم قطر وتركيا. وهو ما تمثل في الاستقبال المفاجئ لأمير قطر في البيت الأبيض الشهر الماضي لتشجيعه واشعاره بأنه ليس بمفرده في الصراع ضد الرئيس السيسي، بل يتمتع بغطاء واشنطن. كذلك الأمر بالنسبة لنظام حكم أردوغان في تركيا واعطائه الايحاء بأنه سيكون قائدا للتحالف السني في المنطقة في مواجهة الهلال الشيعي الذي تقوده إيران، وامتد من سوريا ولبنان والعراق إلى اجزاء من دول الخليج واليمن.حيث تعتبر واشنطن أن اذكاء الصراع بين بلدان الهلال الشيعي والقوس السني أحد الاساليب الرئيسية في سياسة الفوضى الخلاقة التي تحقق تفكك دول المنطقة واعادة رسم خريطتها، وبما يسهل لأمريكا بسط هيمنتها عليها. من هنا جاء محاربة واشنطن لفكرة السيسي وتشكيل تحالف إستراتيجي عربي –ولو على مستوى عدد محدود من الدول العربية ذات تناغم سياسي واستراتيجي –لمواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية التي تتعرض له مصر ودول الخليج وشمال أفريقيا، سواء من قبل التنظيمات الإرهابية أو إيران. وربما لم يكن بعيدا عن ذلك إعلان تركيا عن افتتاح كيان مواز للأزهر تحت مسمى "اكاديمية بناء لتأهيل العلماء" بدعوى اعداد ائمة الأوقاف والعلماء والوعاظ الدارسين، من خلال فرع في تركيا وآخر في قطر، تحت رعاية نظام أردوغان وبدعم مباشر من آل حمد في قطر، والإعلان عن حوافز مادية مغرية ورعاية صحية لمن يلتحق بهذه الاكاديمية، فضلا عن الاقامة الكاملة لمدة 4 سنوات للتفرغ للدراسة. ويأتي ذلك بعد أن افشلت ثورة 30يونيو مخطط الإخوان لإقامة تلك الاكاديمية في مصر بحي الزمالك لإعداد اجيال من الدعاة يدينون بالولاء للجماعة. وكان الإخواني الإرهابي في تركيا –جمال عبدالستار –قد دعا علماء الأزهر للالتحاق بهذه الاكاديمية، مقدما لهم العديد من الاغراءات المادية، مستغلا في ذلك ضعف المستوى المادي لهؤلاء العلماء.
- ومن الملاحظ أن إدارة أوباما بدأت تستخدم أسلوبا جديدا في تعاملها مع الرئيس السيسي، يمكن أن نطلق عليه "الإدارة بالخوف" بمعنى التخويف من مخاطر غير مسبوقة تهدد أمن مصر وشعبها إذا ما استمر النظام المصري في تحديه للإدارة الأمريكية، ورفضه الانصياع لطلباتها. ولم يكن تهديد وفد الكونجرس للرئيس السيسي بأنه قد يلقى مصير الرئيس اراحل السادات، هو المؤشر الوحيد على نهج واشنطن لأسلوب "الإدارة بالخوف". أي الخوف من قطع المعونات الاقتصادية والمساعدات العسكرية الأمريكية، والخوف من تعرض النظام المصري لعقوبات دولية بدعوى انتهاك حقوق الإنسان، والخوف من شن هجمات إرهابية متزامنة من الاتجاهات الاستراتيجية الثلاث: الشرقية والغربية والجنوبية، فضلا عن البحر من الشمال، والخوف من منع سفن الدول من عبور قناة السويس، والخوف من ثورة الجياع في مصر.. إلى غير ذلك من مظاهر التخويف والتهديد.
- هذا الخوف ليس جديدا.. فقد استخدمه الإخوان مزعومين من واشنطن بالمليونيات قبل الوصول إلى الحكم، وبالانتقام والحصار عند الوصول إلى الحكم، وبالعنف والإرهاب وصناعة الفوضى بعد الخروج من الحكم، وقد ارس الإخوان اسوأ المبادئ السياسية عندما قالوا: إذا لم تعلنوا فوزنا بالرئاسة ولعناها نارا، واذا اخرجتمونا من الرئاسة سوف نسحقكم، واذا لم تقبلوا بعودة مرسي فسوف نسقطكم وزعموا أن 7000 من المارينز الأمريكان سينزل في السويس إذا لم يتم عودة مرسي للحكم. ثم جاءت ثورة 30يونيو فاستمرت سياسة التخويف من كل شيء.. من فوضى عارمة إذا ما جرت الانتخابات الرئاسية، كذلك تكرر التخريف مرة ثالثة من افشال المؤتمر الاقتصادي، ومن إجراء الانتخابات البرلمانية. وستستمر سياسة الإدارة بالتخويف من قبل أمريكا والإخوان وحلفائهم في الداخل والخارج طالما استمرت مصر في تحقيق نجاحات على صعيدي الأمن والاستقرار والتنمية. ولكن في مواجهة هذا الأسلوب الأمريكي –الإدارة بالخوف – فان ما لا تدركه إدارة أوباما أن هذا الأسلوب لا يجدي مع الشعب المصري فاذا حضر الشعب فلا خوف منه ولا خوف عليه لأنه صار صاحب الشأن حاضرا ومستقبلا، وهو موجود بكل فئاته وطوائفه، ولا تنطلي عليه اساليب التهديد الجوفاء حتى وان انعكست في أعمال إرهابية على الارض برعاية أمريكية، ذلك أن تجارب التاريخ المتراكمة في ذاكرة الشعب المصري، وتصديه لنوعيات متعددة من التهديدات داخلية وخارجية، حصنته ضد اساليب إدارة الخوف التي تمارسها واشنطن ضده، لذلك فمصيرها الفشل المؤكد، لا سيما بعد أن استعاد المصريين ثقتهم في انفسهم ورئيسهم، واطمأنوا إلى عدالة قضيتهم في محاربة الإرهاب ومن هم ورائه.
- وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، فقد أثبتت الاحداث أن السياسة الأمريكية تخطط وتدار من جزر منعزلة، فما يقال في البنتاجون غير ما يقال في وزارة الخارجية وخلاف ما يصدر عن البيت الأبيض وأجهزة الاستخبارات الأمريكي، فضلا عما يعيشه الرئيس الأمريكي من عزلة سياسية في العامين الاخيرين من حكمه، وهي فترة يطلق فيها على الرئيس الأمريكي (البطة العرجاء) وأبرز مظاهر هذه العزلة ما يوجه له من انتقادات له من قبل أعضاء الكونجرس الجمهوريين المعارضين لسياسته ازاء الحرب على الإرهاب خاصة فيما يتعلق بازدواجية المعايير في التعامل مع قوى الإرهاب.. فبينما يسمح لقوات التحالف الجوية بالعمل في العراق وسوريا ضد داعش، يرفض محاربة داعش في ليبيا والتي تشكل خطورة على مصر وبلدان المغرب العربي، وهو ما يؤكد اعتماد أوباما على داعش وامثالها من تنظيمات متطرفة في تنفيذ سياستها لتصدير الإرهاب إلى دول معينة على رأسها مصر وتسعى الإدارة الأمريكية لتحويلها بفعل الإرهاب إلى دولة فاشلة. كما انعكست سياسة العزلة التي إدارة أوباما في انتقادات الصحف الأمريكية لها، وان استراتيجيتها في مواجهة الإرهاب "فاشلة وقصيرة النظر" وضربت صحيفة (هافنجتون بوست) مثلا على ذلك بأن "الدعم الأمريكي للأردن لمكافحة الإرهاب، والامتناع عن دعم مصر يعتبر استراتيجية قصيرة النظر وتعطي نتائج عكسية" مؤكدة ضرورة الإفراج عن المساعدات العسكرية الأمريكية.
- وقد فضح كتاب (القوة الخطرة) من تأليف نعوم شومسكي زواج المصلحة بين السياسة الأمريكية والتنظيمات الإرهابية وفي القلب منها جماعة الإخوان، ووصف السياسة الأمريكية "بالتناقضات المخجلة" واعتبر أن "الولايات المتحدة دولة داعمة للإرهاب، وذلك لأن معيار الإرهاب عندهم هو ما الذي يفعله الارهابيون بنا، واستبعاد، الذي نفعله نحن بهم، فما نفعله نحن هو تدخل إنساني، حتى ولو تم عن طريق برميل البارود، مثلما فعلنا في العراق، وافغانستان، وفي مشاركتنا مع إسرائيل تصرفاتها في فلسطين". وعن فكرة تغير الأنظمة في المنطقة يقول شومسكي أنه "يتم وفقا للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، وهو التغيير الذي انطلق في عام 2011 وكان قد بدأ في عام 1991، ففي ذلك العام، وما جرى خلال فترة التسعينات وخاصة بعد مارس 2003، وهو يوم غزو العراق، نفذت الولايات المتحدة حملة الارض المحروقة "لتدمير مجتمع العراق".
- وعن الدور الإسرائيلي في المخطط الأمريكي لقلب الأنظمة الحاكمة في المنطقة من خلال التعامل مباشرة مع الإخوان ومنظمات المجتمع المدني، كتب د. كريستوفر ليهمان في تحليل ومتابعة التطورات الجيوبوليتيكية في الشرق الأوسط دراسة بعنوان "الانقلابات فيما بعد الحداثة" يصف فيها ما اعتبره أجندة صهيونية – حلف أطلنطية لتغير الأنظمة في دول المنطقة، يشير فيها إلى عمليات سرية تجمع الطرفين، للقيام بتدخل عسكري معلن، وباستخدام تكتيكات القوة الناعمة.. وأن مراكز البحوث الممولة من الخارج وقفت وراء خطة زعزعة استقرار دول ذات سيادة.



