الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

ملف "الملحدين" على مكتب الرئيس

تسلمه مسؤول "الرئاسة".. ويطلب مساواة "المسلم السني" بـ"عابد الحجر"

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الرئاسة» طلبت من أيمن رمزي عرض طلبات واقتراحات الملحدين في "الاتحادية"، يقدم لـ"الرئيس" مذكرة لإلغاء دور "الأزهر" و"الكنيسة" ووزارة "الأوقاف".
قائمة "المطالب" ضمت إلغاء تهمة ازدراء الأديان وقانون "الحسبة" والعفو عن كريم البنا. 
مجموعة «اللادينيين» طلبت حذف المادة الثانية والثالثة من الدستور.. وإلغاء مادة "الدين" في المدارس.
«مكالمة مهمة جدا، تلقيتها من حوالي عشر دقائق من ديوان رئاسة الجمهورية للذهاب غدًا صباحا، لمقابلة رفيعة المستوى، كما ذكر لي المتحدث بكل جدية واحترام. أنا فرحان، نعم. أنا منبهر جدا، ولكن الأمر عظيم وحيوي. 
ماذا تريدونني أن أنقل وأعبر لهم من أفكار أو طلبات؟».
ليس غريبًا أن تتصل رئاسة الجمهورية بشخص لاستضافته، سواء للنقاش، أو حل مشكلة، أو تقديم اقتراحات، لكن هذه المرة الأمر غريب.. فالشخص الذي تلقى المكالمة، ونشر الخبر على صفحته بـ«فيس بوك»، هو أيمن رمزي. 
"رمزي" ناشط ملحد، مجاهر بإلحاده، يظهر على قنوات فضائية ليدافع عن قضيته، لا يخفي أفكاره، يتحدّى رجال الدين، سواء كانوا مسلمين أو أقباط، لا يتحاشى المناظرات، ويستغل صفحته في الدعاية.. أصدقاؤه أحمد حرقان واسماعيل محمد و"مصري ملحد"، ولا ينكر ذلك.. هو من أول وأشهر من أعلنوا إلحادهم في مصر، حتى قبل أن يستضيف الامام علي الجفري ملحدين ولا دينيين في برنامج على "سي.بي.سي" لمناظرتهم، ومن بعدها، أصبح "إشهار الالحاد" على كل لسان.
في 13 مايو 2014، انتشر خبر على المواقع الاخبارية عن أمين مكتبة في مدرسة "التربية" بإدارة "روض الفرج" التعليمية، تمّ تحويله لـ"النيابة العامة" بتهمة اعتناق وترويج أفكار إلحادية وإنكار وجود الله والأديان.. كان الخبر، بالضبط، يقول: "أحال الدكتور محمود أبو النصر، وزير التربية والتعليم، مذكرة إلى الشئون القانونية ضد أيمن رمزي، لإبعاده عن العمل بالمدارس نهائيًا، لحين البت في أمره بمعرفة النيابة الادارية والمحكمة التأديبية مع متابعة المدارس التي كان يعمل بها".
وأضاف الخبر: "الشئون القانونية أكَّدت إن ما قام به أيمن رمزي إزدراء أديان صريح، وتهديد للسلم والأمن الاجتماعي".
لكن.. الدعوى نامت.. أفلت أيمن رمزي.. بقى على صفحته بـ"فيس بوك"، يكتب ما يريد، وترك العمل بـ"التربية والتعليم".. تفرغ لنشر دعوته.. له صورة مع مؤسس حملة "الاشهار بالالحاد" في إحدى مقاهي "وسط البلد" أعادته للمشهد.. فهو ليس شابًا، والذين يتحركون على الأرض كلهم شباب.. عمره 43 عاما، ويحاول أن يندمج معهم.. يدخل بينهم.. يصبح إماما لهم.. ولذلك اتصلت به "الرئاسة" ولم تتواصل مع غيره.. لأنه كبير.. وقديم.. ويجمع كل الملحدين المصريين في مجلسه.
بعد المكالمة.. طلب "رمزي" من أصدقائه أن يقترحوا عليه أفكار وطلبات من الرئيس ورجاله.. وصل له أكثر من 100 تعليق.. وكان من بينها: إلغاء قانون "ازدراء الأديان" ثم.. إلغاء قانون «الحسبة».. والمادة الثانية والثالثة من الدستور. 
المادية الثانية تنص على إن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع والأزهر الشريف هو المرجعية النهائية فى تفسيرها ولاتباع المسيحية واليهودية الحق فى الاحتكام لشرائعهم الخاصة فى أحوالهم الشخصية وممارسة شئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية».
ونص المادة الثالثة هو: «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية».
مواد الدستور التي يريد الملحدون التخلص منها كثيرة.. لكن وصية الناشط الملحد، وليد أبو بكر، اقتصرت على المادتين، وفي تعليق آخر كان المطلب «حذف خانة الديانة من البطاقة وإلغاء مادة الدين من المدارس واستبدالها بمادة الأخلاق»، و«الزواج المدني» أيضًا على أجندة الشاب الملحد.. الذي لا يريد أن يتورَّط في عقد زواج على يد «مأذون»، يتزوج أمامه «على سنة والله ورسوله» التي لا يؤمن بها. 
وهناك مطلب إنساني آخر.. كان مهمًا في الورقة التي دوّنها «رمزي» ليكتب منها الملف الذي يقدمه إلى مندوب «الرئاسة» الذي اتصل به وطلب مقابلته، وهو: «حماية اللادينيين من بطش المجتمع وبعض السلطات غير المسئولة، والوقائع مثل: اللي حصل لإسماعيل وحرقان، بالإضافة لحماية حرية الرأى والاعتقاد التام، والافراج عن كريم البنا وشريف جابر".
وفي الورقة نفسها، كتب أيمن رمزي قائمة طلبات أصدقائه الملحدين، وهي: 
1. تنقية المناهج التعليمية من ما فيها من عنصرية وتكفير وإهدار للدم.
2. التدرج في إلغاء دور الأزهر والكنيسة في الدولة وانحصارها في التعليم الروحي فقط. 
3. إلغاء وزارة الأوقاف وإنشاء وزارة مدنية لمتابعة أمور الأوقاف لكل الأديان.
لكن الطلب الأول.. الذي احتل دماغ "أيمن" وأوراقه التي يحملها وهو في طريقه لمقر "الرئاسة" بـ"الاتحادية"، لن يخرج عن "إلغاء تهمة (ازدراء الأديان) والعفو عن المحبوسين".. فلا مطلب، بالنسبة للملحدين، أهم من أن يكونوا أحرارا.. خارج السجون.. وغير معرضين للحبس في كل صغيرة وكبيرة.. خاصة أن التهمة، من وجهة نظرهم، مطاطة.. لا تطبق العدل.. لا معيار لها.. والغرض منها أن تتقرَّب الدولة من الاسلاميين على جثة «ملحد».. خاصة آخر شاب "حكمت عليه المحكمة بـ3 سنوات سجن"، وهو كريم البنا، الذي سيكون أول ما يتكلم عنه أيمن رمزي.. ويطلب العفو عنه.. وتحريره من شبح السجن الذي يطارده بسبب رأي كتبه على "فيس بوك"، ولم يطلب من أحد أن يتّبعه، أو يدعو لفكرة ضد الدولة. 
وهو الملف الأول على مكتب الرئيس.
"البنا" شاب عمره 21 عاما.. طالب بكلية الهندسة جامعة الاسكندرية.. أشهر إلحاده على "فيس بوك".. الخبر وصل أهالي منطقة "ادكو" التي يسكن بها.. خططوا لإيقاعه في الفخ.. طاردوه.. جرجروه إلى قسم الشرطة.. فتحوا "البروفايل" الخاص به فوجدوه هو من أشهر إلحاده فعلا، وصفحته مليئة بآراء شخصية اعتبروها كفرًا.
تم احتجازه في القسم، وترحيله لـ«النيابة العامة» في اليوم التالي.. التي أمرت بحبسه "على ذمة القضية".. ثم استمرار حبسه «احتياطيا».. ثم قرار آخر بحبس "كريم" 15 يومًا بتهمة "ازدراء الأديان".. قبل أن تصل القضية إلى المحطة قبل الأخيرة.. وهي الحكم عليه بالسجن 3 سنوات. 
النار مشتعلة تحت الأرض، وتنتظر من يفتح لها الطريق لتأكل ما حولها.. "كريم البنا" ليس آخر ملحد يتم القبض عليه، لحقه إلى المصير نفسه صديقه شريف جابر.
جمع أيمن رمزي أوراقه.. كتب قائمة بالمطالب، وقائمة أخرى بالأسماء التي تنتظر نظرة من الرئيس حين يراجع ملف «الملحدين».. وقف أمام قصر "الاتحادية" يحمل حقيبته، ينتظر مقابلة مندوب الرئاسة، ويريد أن يكون اللقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليحدد معه مصير آلاف الملحدين. 
لم يكن أيمن رمزي وحده في زيارة "الاتحادية"، كان هناك ممثلون عن حركات وطوائف، وشباب يؤسسون كيانات سياسية ويبحثون عن دعم من الدولة، أو على الأقل نظرة منها، وهو ممثل الملحدين.. عرض مطالبهم، وبعد خروجه من القصر كتب مقالا لجريدة "ايلاف" يحكي فيه تفاصيل ما جرى من البداية: 
"أبلغني الفاضل المتصل، بعد التعريف بنفسه، بأن أكون مُستعدا غدًا لمقابلة هامة في ديوان رئاسة الجمهورية لحوار شخصي وسماع وجهة نظر أحد أفراد الشعب المصري الذي أعلن رأيه صراحة في أكثر مِن برنامج تليفزيوني شهير بأن له موقف مِن الأديان". 
أما رد "رمزي" على المتصل فكان: "شكرت سيادته على تقديره واحترامه، وأكدت أنني لَستُ مُمَثلًا لأي فئة أو طائفة أو جماعة مِن أي عقيدة أو مَذهب أو خَلفية، أنا أُمثل شخصي فقط.
 وأوضحت له أنني باحث وقارئ، وكل ما يَهمني هو المعاملة الحسنة الراقية بين أفراد الوطن، وأن يَعيش الإنسان في جو إنساني راقي، والعلاقة بين الفرد وما يؤمن به هي علاقة شخصية، لا تتدخل فيها الدولة. 
فالدولة كيان محايد، ليس له هوية دينية، وبالتالي فيجب أن يُقّدِر جميع الهويات الدينية لجميع المواطنين بالتساوي، حتى لو كان فرد واحد له إيمان مختلف عن الجميع.
الملف الذي وضعه "رمزي" على مكتب مسئول رئاسة الجمهورية، وينوي بدوره نقله إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، يبدأ بـ"السيد الفاضل المسئول، إذا كنت تَسعى لأن تكون مصر دولة مَدنية حَديثة تَتماشى مع مُعطيات العصر الحديث فعلى سيادتكم تغيير استراتيجية التعليم المصري مِن جذوره، وأول هذا التغيير يَتمثل في إلغاء التمييز الديني والتربية الدينية في المدارس، لكي تَكون الأخلاق العامة هي السائدة بين التلاميذ وبالتالي بين الشعب عامة، ومَن يُريد أن يَدرس أمور دينه، فعليه بالذهاب إلى مكان عبادته".
ومن ضمن ما يشير إليه الملف نصًا: "السيد المسئول الفاضل، نطالبك بأن تسود يد الدولة العليا على قوانين الأحوال الشخصية بالتساوي بين كُل أفراد الشعب على اختلاف طوائفهم ومللهم ونحلهم، دون أن يَكون لمؤسساتهم الدينية السلطة العليا على الدولة.
 وفي تجربة الدول المتقدمة أمثلة معبرة عن ذلك، فمَن أراد أن تُباركه مؤسسته الدينية فعليه بالتوجه الفردي لها دونما فرض ذلك على غيره، أو دون أن تكون للمؤسسات الدينية تدخل في صنع القوانين الاجتماعية».
ويتضمن أيضًا: "مجموعة راقية مِن أصدقائي، طالبوني بأن أنقل طلبات حرية العبادة لكل الأديان، أيًا مَا تكون مَرجعيتها، سواء ما يُسميه البعض "سماوية" أو مَن يسميه البعض "وضعية"، فيجب أن يكون مِن منطلق حرية العقيدة أن يكون الجميع سواسية أمام القانون العام، سواء مِن أصحاب الديانة الأكثر انتشارا، أو الأقل انتشارا، فيجب أن يكون الجميع على قدم المساواة في التعامل كمواطنين، لهم ما للجميع مِن حقوق، وعليهم ما على الجميع مِن واجبات. فعلى سبيل المثال، ينال المصري "البهائي" ما للمصري "السُني" مِن حقوق، كما يتمتع "الشيعي" ما يتمتع به "المصري المسيحي الأرثوذكسي"، وكذلك المصري المسيحي البروتستانتي مثل المصري المسيحي السبتي أوشهود يهوه أو حتى عابدي الحجر ماداموا لا يؤذوا غيرهم بهذا الحجر".
ويطالب الملف أيضًا بالافراج عن الملحدين المحكوم عليهم في قضايا "ازدراء الأديان": "كثير مِن أصدقائي كانوا في غاية الحزن لأجل الحكم على الطالب الجامعي "كريم البنا" الذي أخذ حُكم ثلاث سنوات سجن، ليس بسبب انضمامه لتنظيم إرهابي، أو ممارسته تهريب أسلحة أو تخريبه لمباني جامعته، ولكن للأسف بسبب كتابته "بوست إلحادي" غير ما يقبله المجتمع على حسابه في الفيس بوك، على اعتبار أن ذلك إزدراء بالأديان المعترف بها في مصر. حقيقي، كم هو موقف مؤسف وإزدراء بقيمة الإنسان المصري، أن يُسجن طالب جامعي مصري لأنه عَبّر عن رأيه المختلف والمغاير لمعتقدات المحيطين به".
واختتم الملف بجملة "مِن حقي أن أحلم بمقابلة أعلى مسئول في وطني، وأن يَستمع إلى أحلامي وأن يُحققها لي مادامت تَتماشى مع إنسانية الإنسان طبقًا لمواثيق حقوق الإنسان العالمية".
من النسخة الورقية